الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      فيمن اغتصب من رجل نخلا أو شجرا فأثمرت أو غنما فتوالدت قلت : أرأيت إن اغتصبت من رجل نخلا أو شجرا أو غنما أو إبلا ، فأثمرت الشجر عندي وتوالدت الغنم أو الإبل ، فجززت أصوافها وشربت ألبانها وأكلت سمونها وجبنها ، ثم قدم ربها فاستحقها ، أله أن يضمنني ما أكلت من ذلك ، ويأخذها مني بأعيانها في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، إلا ما كان من ذلك يكال أو يوزن ، فعليه مثل مكيلته أو وزنه .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كانت قد ماتت ، أله أن يضمنني قيمتها وقيمة ما أكلت منها في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا ; لأنه بلغني عن مالك أنه قال : لو أن رجلا غصب دابة أو جارية فولدت عنده أولادا ، ثم هلكت الأم ، فأراد ربها أن يأخذ ولدها وقيمة الأم منه ، لم يكن ذلك له . وإنما له قيمة الأم ويسلم الأولاد أو يأخذ الأولاد ، ولا قيمة له في الأمهات . فكذلك ما أكل أو باع إذا ماتت أمهاتها ، فإنما له قيمة أمهاتها أو الثمن الذي باع به ، أو قيمة ما أكل . بمنزلة ما لو [ ص: 180 ] وجد أولادها وقد هلكت أمهاتها ، فما أكل أو باع فهو بمنزلة الأولاد إذا وجدهم ، وهو رأيي الذي آخذ به ، ألا ترى أن المغتصب باعها من رجل فولدت عنده ، ثم هلكت أمهاتها فأتى ربها ، لم يكن له أن يأخذ أولادها ، وقيمة الأم من المغتصب ؟ وإنما له أن يأخذ الأولاد ، ويتبع المغتصب المشتري بالثمن ، أو يأخذ الثمن من الغاصب ، أو قيمتها يوم غصبها ويترك الولد في يدي المشتري ، ولا يجتمع على المغتصب قيمتها ويتبع بالثمن . فالمغتصب في موت أمهاتها ومن ماتت عنده ممن اشتراها من المغتصب بمنزلة سواء . إذا ماتت أمهاتها ، وهذا الذي سمعت وبلغني من قول مالك ممن أثق به .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذه النخل وهذه الشجر وهذا الحيوان الذي غصبته فأكلت ثمرته ، إن كنت قد سقيته وعالجته وعملت فيه ورعيت الغنم وأنفقت عليها في رعايتها ومصلحتها ، أيكون ما أنفقت في ذلك لي ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا شيء لك فيما أنفقت على النخل ، ولا فيما رعيت الغنم ، ولكن يكون ذلك لك فيما عليك من قيمة الغلة ، إلا أن يكون ما أنفقت أكثر مما اغتنمت . ألا ترى لو أن رجلا سرق دابة فحلبها أشهرا وأنفق عليها ، ثم أتى ربها فاستحقها ، أنه لا شيء له فيما علف وسقى ، وكذلك الغاصب .

                                                                                                                                                                                      قلت : أتحفظه عن مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا ، ولكن هذا رأيي .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية