الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4275 - "الدنيا سجن المؤمن؛ وجنة الكافر" ؛ (حم م ت هـ)؛ عن أبي هريرة ؛ (طب ك)؛ عن سلمان ؛ والبزار ؛ عن ابن عمر ؛ (صح) .

التالي السابق


(الدنيا) ؛ أي: الحياة الدنيا؛ (سجن المؤمن) ؛ بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم؛ (وجنة الكافر) ؛ بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم؛ وعما قريب يحصل في السجن المستدام؛ نسأل الله السلامة يوم القيامة؛ وقيل: المؤمن صرف نفسه عن لذاتها؛ فكأنه في السجن؛ لمنع الملاذ عنه؛ والكافر سرحها في الشهوات؛ فهي له كالجنة؛ قال السهروردي : والسجن والخروج منه يتعاقبان على قلب المؤمن؛ على توالي الساعات؛ ومرور الأوقات؛ لأن النفس كلما ظهرت صفاتها؛ أظلم الوقت على القلب؛ حتى ضاق؛ وانكمد؛ وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج؟! فكلما هم القلب بالتبري عن مشائم الأهواء الدنيوية؛ والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة؛ تشهيا إلى الآجلة؛ وتنزها في فضاء الملكوت؛ ومشاهدة للجمال الأزلي؛ حجزه الشيطان المردود من هذا الباب المطرود بالاحتجاب؛ فتدلى بحبل النفس الأمارة إليه؛ فكدر صفو العيش عليه؛ وحال بينه وبين محبوب طبعه؛ وهذا من أعظم السجون وأضيقها؛ فإن من حيل بينه وبين محبوبه؛ ضاقت عليه الأرض بما رحبت؛ وضاقت عليه نفسه.

(تتمة) :

ذكروا أن الحافظ ابن حجر لما كان قاضي القضاة؛ مر يوما بالسوق في موكب عظيم؛ وهيئة جميلة؛ فهجم عليه يهودي يبيع الزيت الحار؛ وأثوابه ملطخة بالزيت؛ وهو في غاية الرثاثة والشناعة؛ فقبض على لجام بغلته؛ وقال: يا شيخ الإسلام؛ تزعم أن نبيكم قال: "الدنيا سجن المؤمن؛ وجنة الكافر" ؛ فأي سجن أنت فيه؟! وأي جنة أنا فيها؟! فقال: أنا بالنسبة لما أعد الله لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن؛ وأنت بالنسبة لما أعد لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنك في جنة؛ فأسلم اليهودي .

(حم م) ؛ في الرقائق؛ (ت هـ) ؛ في الزهد؛ (عن أبي هريرة ؛ طب ك؛ عن سلمان ) ؛ ورواه عنه العسكري في الأمثال؛ بأبسط من هذا؛ وزاد بيان السبب؛ فأخرج عن عامر بن عطية قال: رأيت سلمان أكره على طعام؛ فقال: حسبي أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا؛ يا سلمان ؛ إنما الدنيا سجن المؤمن؛ وجنة الكافر" ؛ ( البزار ؛ عن ابن عمر ) ؛ ابن الخطاب ؛ زاد ابن المبارك في رواية عن ابن عمر : "وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه؛ كمثل رجل كان في سجن؛ فأخرج منه؛ فجعل يتقلب في الأرض؛ ويتفسح فيها .




الخدمات العلمية