الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2631 - "إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله؛ حبل ممدود ما بين السماء؛ والأرض؛ وعترتي؛ أهل بيتي ؛ وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (حم طب)؛ عن زيد بن ثابت ؛ (صح) .

التالي السابق


(إني تارك فيكم) ؛ بعد وفاتي؛ (خليفتين) ؛ زاد في رواية: "أحدهما أكبر من الآخر" ؛ وفي رواية - بدل خليفتين -: "ثقلين"؛ سماهما به لعظم شأنهما؛ (كتاب الله) ؛ القرآن؛ (حبل) ؛ أي: هو حبل؛ (ممدود ما بين السماء؛ والأرض) ؛ قيل: أراد به عهده؛ وقيل: السبب الموصل إلى رضاه؛ (وعترتي) ؛ بمثناة فوقية؛ (أهل بيتي) ؛ تفصيل بعد إجمال؛ بدلا؛ أو بيانا؛ وهم أصحاب الكساء؛ الذين أذهب الله عنهم الرجس؛ وطهرهم تطهيرا؛ وقيل: من حرمت عليه الزكاة؛ ورجحه القرطبي ؛ يعني: إن ائتمرتم بأوامر كتابه؛ وانتهيتم بنواهيه؛ واهتديتم بهدي عترتي؛ واقتديتم بسيرتهم؛ اهتديتم؛ فلم تضلوا؛ قال القرطبي : وهذه الوصية؛ وهذا التأكيد العظيم؛ يقتضي وجوب احترام أهله؛ وإبرارهم؛ وتوقيرهم؛ ومحبتهم ؛ وجوب الفروض المؤكدة؛ التي لا عذر لأحد في التخلف عنها؛ هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وبأنهم جزء منه؛ فإنهم أصوله التي نشأ عنها؛ [ ص: 15 ] وفروعه التي نشأوا عنه؛ كما قال: " فاطمة بضعة مني" ؛ ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة؛ والعقوق؛ فسفكوا من أهل البيت دماءهم؛ وسبوا نساءهم؛ وأسروا صغارهم؛ وخربوا ديارهم؛ وجحدوا شرفهم وفضلهم؛ واستباحوا سبهم ولعنهم؛ فخالفوا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في وصيته؛ وقابلوه بنقيض مقصوده؛ وأمنيته؛ فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه! ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه! (وإنهما) ؛ أي: والحال أنهما؛ وفي رواية: "إن اللطيف أخبرني أنهما" ؛ (لن يفترقا) ؛ أي: الكتاب والعترة؛ أي: يستمران متلازمين؛ (حتى يردا على الحوض) ؛ أي: الكوثر؛ يوم القيامة؛ زاد في رواية: "كهاتين"؛ وأشار بأصبعيه؛ وفي هذا مع قوله أولا: "إني تارك فيكم " ؛ تلويح؛ بل تصريح بأنهما كتوأمين؛ خلفهما؛ ووصى أمته بحسن معاملتهما؛ وإيثار حقهما على أنفسهم؛ واستمساك بهما في الدين؛ أما الكتاب؛ فلأنه معدن العلوم الدينية؛ والأسرار والحكم الشرعية ؛ وكنوز الحقائق؛ وخفايا الدقائق؛ وأما العترة؛ فلأن العنصر إذا طاب؛ أعان على فهم الدين؛ فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق؛ ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته؛ قال الحكيم : والمراد بعترته هنا: العلماء العاملون؛ إذ هم الذين لا يفارقون القرآن؛ أما نحو جاهل؛ وعالم مخلط؛ فأجنبي من هذا المقام؛ وإنما ينظر للأصل؛ والعنصر؛ عند التحلي بالفضائل؛ والتخلي عن الرذائل؛ فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم؛ لزمنا اتباعه كائنا ما كان؛ ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش ؛ لأن الحكم على فرد من أفراد العام؛ بحكم العام؛ لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد؛ على الأصح؛ بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد؛ والتنويه برفعة قدره.

(تنبيه) :

قال الشريف : هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة؛ في كل زمن؛ إلى قيام الساعة؛ حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به؛ كما أن الكتاب كذلك؛ فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض؛ فإذا ذهبوا؛ ذهب أهل الأرض.

(حم طب؛ عن زيد بن ثابت ) ؛ قال الهيثمي : رجاله موثقون؛ ورواه أيضا أبو يعلى ؛ بسند لا بأس به؛ والحافظ عبد العزيز بن الأخضر ؛ وزاد أنه قاله في حجة الوداع؛ ووهم من زعم وضعه؛ كابن الجوزي ؛ قال السمهودي : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة.




الخدمات العلمية