الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3179 - "بئس العبد عبد تخيل؛ واختال؛ ونسي الكبير المتعال ! بئس العبد عبد تجبر واعتدى؛ ونسي الجبار الأعلى! بئس العبد عبد سها ولها؛ ونسي المقابر والبلى! بئس العبد عبد عتا وطغى؛ ونسي المبتدا والمنتهى! بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين! بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات! بئس العبد عبد طمع يقوده! بئس العبد عبد هوى يضله! بئس العبد عبد رغب يزله!"؛ (ت ك هب)؛ عن أسماء بنت عميس ؛ (طب هب)؛ عن نعيم بن حمار ؛ (ض) .

التالي السابق


(بئس) ؛ كلمة جامعة للمذام؛ مقابلة لـ "نعم"؛ الجامعة لوجوه المدائح كلها؛ قاله الحرالي ؛ (العبد عبد تخيل) ؛ بخاء معجمة؛ أي: تخيل في نفسه شرفا وفضلا على غيره؛ (واختال) ؛ تكبر؛ من "الخيلاء" ؛ بالضم؛ والكسر: الكبر والعجب؛ يقال: "اختال؛ فهو مختال"؛ [ ص: 212 ] و"فيه خيلاء؛ ومخيلة"؛ أي: كبر؛ (ونسي) ؛ الله؛ (الكبير المتعال) ؛ أي: ونسي أن الكبرياء والتعالي ليس إلا للواحد القهار ؛ (بئس العبد عبد تجبر) ؛ من "الجبروت"؛ "فعلوت"؛ من "الجبر": القهر؛ بأن احتشى من الشهوات؛ وجبر الخلق على هواه فيها ؛ فصار ذلك عادة له؛ (واعتدى) ؛ في جبريته؛ فمن خالف هواه؛ قهره بقتل؛ أو غيره؛ (ونسي الجبار الأعلى) ؛ الذي له الجبروت الأعظم؛ وقد صغرت الدنيا بمن فيها من الخلق والخليقة؛ في جنب جبروته؛ ( بئس العبد عبد سها) ؛ بالأماني ؛ مستغرقا في شؤون هذا الحطام الفاني؛ (ولها) ؛ بالإكباب على الشهوات؛ والاشتغال باللهو واللعب؛ أو ربما لا يعنيه عما خلق لأجله من العبادات؛ (ونسي المقابر والبلى) ؛ أي: أن القبر يضمه يوما؛ ويحتوي على أركانه؛ ويبلي لحمه ودمه؛ (بئس العبد عبد عتا وطغى) ؛ أي: بالغ في ركوب المعاصي؛ وتمرد ؛ حتى صار لا ينفع فيه وعظ؛ ولا يؤثر فيه زجر؛ فصار إيمانه محجوبا؛ و"العتو": التجبر والتكبر؛ و"الطغيان": مجاوزة الحد؛ (ونسي المبتدا والمنتهى) ؛ أي: نسي من أين بدأ؛ وإلى أين يعاد؛ وصيرورته ترابا؛ أي: من كان ذلك ابتداءه؛ ويكون انتهاؤه هذا؛ جدير بأن يطيع الله في أوسط الحالين؛ (بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين) ؛ بتحتية؛ ثم خاء معجمة؛ فمثناة فوقية مكسورة؛ أي: يطلب الدنيا بعمل الآخرة؛ بخداع ؛ كما يطلب الصائد الصيد؛ من قولهم: "ختل الصيد"؛ إذا اختفى له؛ و"ختل الصائد"؛ إذا مشى للصيد قليلا قليلا؛ لئلا يحس به؛ شبه فعل من يري ورعا ودينا؛ ليتوصل به إلى المطالب الدنيوية؛ بختل الذئب؛ والصائد؛ فهذا عبد متضع؛ مداهن؛ قلت مبالاته بنفسه على الحقيقة؛ إنما يبالي بما يعرض في العاجل؛ فيطمس معالم الإيمان بحطام الدنيا وأوساخها؛ يظهر الخشوع عند لقاء الخلق؛ وتنفس الصعداء تحسرا على إدبار أمره؛ ويظهر أنه في هيئة الزاهدين؛ ويظهر الانقباض؛ ليهاب؛ ويكون في فريسته كالسباع والذئاب؛ و"الختل": الخداع والمراوغة؛ (بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات) ؛ التي هي محل تعارض الأدلة؛ واختلاف العلماء؛ أو المكروه؛ والمراد أنه يتشبث بالشبهات؛ ويؤول المحرمات ؛ ( بئس العبد عبد طمع يقوده ) ؛ قال الأشرفي : تقديره: "وطمع"؛ ويمكن جعل قوله: "طمع"؛ فاعل "يقوده"؛ متقدما على فعله؛ قال الطيبي : وهو أقرب؛ ( بئس العبد عبد هوى يضله ) ؛ أراد بالهوى: القصور؛ وهو هوى النفس؛ (بئس العبد عبد رغب) ؛ بفتح الراء؛ بضبط المصنف؛ (يزله) ؛ بضم الياء؛ وكسر الزاي؛ بضبط المصنف؛ أي: حرص وشدة على الدنيا ؛ وقيل: سعة الأمل؛ وطلب الكثير؛ قال القاضي : "الرغب": شره الطعام؛ وأصله: سعة الجوف؛ بمعنى: "الرحب"؛ وإضافة العبد إليه للإهانة؛ كقولهم: "عبد البطن"؛ ولأن مجامع همته واجتهاده؛ مقصور عليه؛ وعائد إليه.

(ت ك) ؛ في الرقاق؛ (هب؛ عن أسماء ) ؛ بفتح الهمزة؛ وبالمد؛ ( بنت عميس ) ؛ بضم المهملة؛ وفتح الميم؛ الخثعمية؛ صحابية هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب ؛ قال البيهقي في الشعب: إسناده ضعيف؛ انتهى؛ وكذا ذكره البغوي والمنذري ؛ وصححه الحاكم ؛ وليس كما زعم؛ فقد رده الذهبي ؛ وقال: سنده مظلم؛ (طب هب؛ عن نعيم ) ؛ بضم النون؛ ابن حمار ؛ قال الذهبي : والصحيح: "همار" ؛ غطفاني؛ روى عنه كثير بن مرة حديثا واحدا؛ قال الهيثمي : وفيه طلحة بن زيد الرقي ؛ وهو ضعيف.




الخدمات العلمية