الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2843 - "أول ما افترض الله (تعالى) على أمتي؛ الصلوات الخمس ؛ وأول ما يرفع من أعمالهم؛ الصلوات الخمس؛ وأول ما يسألون؛ عن الصلوات الخمس؛ فمن كان ضيع شيئا منها يقول الله - تبارك وتعالى -: انظروا؛ هل تجدون لعبدي نافلة من صلاة تتمون بها ما نقص من الفريضة؛ وانظروا في صيام عبدي شهر رمضان؛ فإن كان ضيع شيئا منه؛ فانظروا؛ هل تجدون لعبدي نافلة من صيام تتمون بها ما نقص من الصيام؛ وانظروا في زكاة عبدي؛ فإن كان ضيع منها شيئا؛ فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة؛ فيؤخذ ذلك على فرائض الله؛ وذلك برحمة الله؛ وعدله؛ فإن وجد فضلا؛ وضع في ميزانه؛ وقيل له: ادخل الجنة مسرورا؛ وإن لم يوجد له شيء من ذلك؛ أمرت به الزبانية؛ فأخذوا بيديه ورجليه؛ ثم قذف به في النار"؛ الحاكم ؛ في الكنى؛ عن ابن عمر ؛ (ح) .

[ ص: 95 ]

التالي السابق


[ ص: 95 ] ( أول ما افترض الله (تعالى) على أمتي؛ الصلوات الخمس ) ؛ المعروفة؛ (وأول ما يرفع من أعمالهم؛ الصلوات الخمس) ؛ أي: بموت المصلين؛ واتفاق خلفهم على تركها؛ (وأول ما يسألون؛ عن الصلوات الخمس؛ فمن كان ضيع شيئا منها) ؛ بأن لم يفعله؛ أو فعله مع اختلال بعض الأركان؛ أو الشروط؛ أو مع توفرها؛ ولم تقبل؛ لعدم نحو إخلاص؛ (يقول الله - تبارك وتعالى - ) أي: لملائكته؛ (انظروا) ؛ أي: تأملوا؛ (هل تجدون لعبدي نافلة من الصلاة ) ؛ أي: صلاة نافلة؛ (تتمون بها ما نقص من الفريضة) ؛ أي: فإن وجدتم ذلك؛ فكملوا به فرضه؛ لأن المصلي مثل التاجر الذي لا يخلص الربح حتى يخلص له رأس المال؛ فلا يقبل له نفل؛ حتى يؤدي الفرض؛ وكذا يقال فيما يأتي؛ (وانظروا في صيام عبدي شهر رمضان؛ فإن كان ضيع شيئا منه) ؛ بالمعنى المذكور فيما قبله؛ (فانظروا؛ هل تجدون لعبدي نافلة من صيام تتمون منها ما نقص من صيام؛ وانظروا في زكاة عبدي؛ فإن كان ضيع شيئا منها؛ فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة؛ فيؤخذ ذلك) ؛ أي: النفل؛ (على فرائض الله) ؛ أي: عنها؛ (وذلك برحمة الله) ؛ العبد؛ أي: برفقه به؛ وإحسانه إليه؛ (وعدله) ؛ إذ لو لم يكمل له بها فرضه؛ لخسر؛ وهلك؛ ( فإن وجد فضلا) ؛ أي: زيادة؛ بعد تكميل الفرض؛ (وضع في ميزانه ) ؛ فرجح؛ (وقيل له) ؛ من قبل الله (تعالى)؛ على لسان بعض ملائكته؛ أو من شاء: (ادخل الجنة مسرورا) ؛ أي: حال كونك فرحا منشرحا؛ و"السرور": ما يسر به الإنسان؛ (وإن لم يجد له شيئا من ذلك) ؛ أي: من الفرائض؛ أو من النوافل التي يكمل بها نقصها؛ (أمرت به الزبانية) ؛ أي: أمرهم الله بإلقائه في النار؛ (فأخذ) ؛ أي: فأخذوا؛ (بيديه؛ ورجليه) ؛ خصهما؛ إشارة إلى هوانه عليهم؛ واستحقاره عندهم؛ (ثم قذف به في النار) ؛ أي: ألقي في نار جهنم؛ ذميما؛ مقبحا؛ مستهانا به؛ كالجيفة التي ترمى للكلاب؛ قال في المطامح: يؤخذ من هذه الأولية المذكورة في صدر هذا الخبر أن الصلاة لها أولوية عند الله - سبحانه وتعالى -؛ قال ابن عطاء الله: واعلم أن الحق - سبحانه وتعالى - لم يوجب شيئا من الفرائض غالبا إلا وجعل له من جنسه نافلة؛ حتى إذا قام العبد بذلك الواجب؛ وفيه خلل ما؛ يجبر بالنافلة؛ التي هي من جنسه؛ فلذا أمر بالنظر في فريضة العبد؛ فإن قام بها كما أمر الله؛ جوزي عليها؛ وأثبتت له؛ وإن كان فيه خلل؛ كملت من نافلته؛ حتى قال البعض: إنما تثبت لك نافلة إذا سلمت لك الفريضة؛ ولما جعل الله (تعالى) عباده أقوياء؛ وضعفاء؛ فسح على الضعفاء بالاكتفاء [ ص: 96 ] بالواجبات؛ وفتح للأقوياء باب نوافل الخيرات؛ فعباد أنهضهم إلى القيام بالواجبات خوف عقوبته؛ فقاموا بها تخليصا لأنفسهم من وجود الهلكة؛ وملافاة العقوبة؛ فما قاموا شوقا له؛ ولا طلبا للوفاء مع ربوبيته؛ بل قوبلوا بالمخالفة؛ فلم يقبل منهم قيامهم هذا؛ فإنهم لم ينهضوا إلا لأجل نفوسهم؛ ولم يطلبوا إلا حظوظهم؛ فقاموا بواجبات الله مجرورين بسلاسل الإيجاب؛ عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بسلاسل؛ وآخرون عندهم من غليان الشغف؛ وشدة الحب ما ليس يكفيهم الواجبات؛ بالنوافل؛ وسرمدوا بها الأوقات؛ وحملوا أنفسهم ما لا يطيقون بطاعته؛ لباعث الشغف؛ فأشفق عليهم الشارع فأمرهم بالقصد في عدة مواضع.

( الحاكم ) ؛ في كتاب؛ (الكنى) ؛ والألقاب؛ (عن ابن عمر ) ؛ ابن الخطاب .




الخدمات العلمية