الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2613 - "إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل" ؛ (خط)؛ عن أنس ؛ وابن عساكر ؛ عن عائشة ؛ (ح) .

التالي السابق


(إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل) ؛ لفظ رواية الخطيب : "ذو الفضل"؛ أي: العلم والعمل؛ لأن فضل العلم إنما يعرف بالعلم ؛ فلما عدم الجهال العلم الذي به يتوصلون إلى معرفته؛ جهلوا فضله؛ واسترذلوا أهله؛ وتوهموا أن ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المقتنيات؛ والطرف المشتهيات؛ أولى أن يكون إقبالهم عليها؛ وأحرى أن يكون اشتغالهم بها؛ قال المعتز : العالم يعرف الجاهل؛ لأنه كان جاهلا؛ والجاهل لا يعرف العالم؛ لأنه لم يكن عالما؛ ولذلك انصرف الجهال عن العلم وأهله؛ انصراف الزاهدين؛ وانحرفوا عنه؛ وعنهم انحراف المعاندين؛ فإن من جهل شيئا عاداه؛ والناقص - لعدم الفضل؛ لعجزه عن بلوغ فضلهم - يريد ردهم إلى درجة نقصه؛ لعزته بنفسه؛ ذكره الماوردي ؛ وقال الإمام الرازي : ما لم يكن الإنسان أعلم من غيره؛ لا يمكن معرفته قدره؛ فلا يقدر [ ص: 9 ] على التمييز بين رجلين إلا أعلم منهما؛ لأنه لا بد أن يعرف مقدار معلومات كل؛ ومقدار ما به زاد أحدهما على الآخر؛ ونقص منه؛ وهذا لا يتيسر إلا لأعلم من كل منهما؛ وإذا لم يمكن الناقص أن يحيط بما هو أكمل منه في العرف الشاهد؛ فكيف يمكن العقول الناقصة الإحاطة بجلال من جلاله غير متناه؟! قال الماوردي : فيه أن الطالب إذا أحس من نفسه قوة لفرط ذكائه؛ وحدة خاطره؛ يعرف لمعلمه فضله؛ ولا يظهر له الاستكفاء منه؛ ولا الاستغناء عنه؛ فإن في ذلك كفرا بنعمته؛ واستخفافا بحقه؛ لكن لا يبعثه معرفة الحق له على التقليد فيما أخذ عنه؛ فربما غلا بعض الأتباع في عالمهم؛ حتى يروا أن قوله دليل؛ وإن لم يستدل؛ وأن اعتقاده حجة؛ وإن لم يحتج؛ فيفضي بهم الأمر إلى التسليم له فيما أخذوا عنه؛ ويؤول به ذلك إلى التقصير فيما يصدر منه؛ لأنه يجتهد بحسب اجتهاد من يأخذ عنه؛ فلا يبعد أن تبطل تلك المقالة إن انفردت؛ أو يخرج أهلها عن عداد العلماء فيما شاركت؛ لأنه قد لا يرى لهم من يأخذ عنهم ما كانوا يرونه لمن أخذوا عنه؛ فيطالبوهم بما قصروا فيه؛ فيضعفوا عن إبانته؛ ويعجزوا عن نصرته؛ فيذهبوا ضائعين؛ ويصيروا عجزة مضعوفين؛ أهـ.

(خط) ؛ في ترجمة أبي ظاهر الأنباري ؛ (عن أنس ) ؛ قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمسجد؛ إذ أقبل علي؛ فسلم؛ ثم وقف ينتظر موضعا يجلس فيه؛ وكان أبو بكر عن يمينه؛ فتزحزح له عن مجلسه؛ وقال: ههنا يا أبا الحسن ؛ فجلس بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أبي بكر ؛ فعرف السرور في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فذكره؛ وقضية تصرف المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه؛ وهو تلبيس فاحش؛ فإنه أورده في ترجمة جعفر الدقاق الحافظ ؛ من روايته عنه؛ ثم تعقبه بأن أبا زرعة ذكر عن الجرجاني أنه قال: هو ليس بمرضي في الحديث؛ ولا في كتبه؛ كان فاسقا كذابا؛ هذه عبارته؛ فاقتصار المصنف على عزوه إليه؛ وسكوته عما أعله به؛ غير صواب؛ ثم إن فيه أيضا محمد بن زكريا الغلابي ؛ قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني : يضع الحديث؛ وقال ابن الجوزي : موضوع؛ فإن الغلابي يضع؛ ( ابن عساكر ) ؛ في تاريخ دمشق ؛ (عن عائشة ) ؛ قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا مع أصحابه؛ وبجنبه أبو بكر ؛ وعمر ؛ فأقبل العباس ؛ فأوسع له؛ فجلس بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أبي بكر ؛ فذكره؛ قال السخاوي : وهما ضعيفان؛ ومعناه صحيح؛ ولا يخدشه إجماع أهل السنة على تفضيل أبي بكر ؛ انتهى.




الخدمات العلمية