الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 492 ] ( قال وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة وهلاك المبيع يمنع منها ) ; لأن رفع البيع يستدعي قيامه وهو قائم بالبيع دون الثمن [ ص: 493 ] ( فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في الباقي ) ; لقيام البيع فيه ، وإن تقايضا تجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما ولا تبطل بهلاك أحدهما لأن كل واحد منهما مبيع فكان المبيع باقيا ، والله أعلم بالصواب

التالي السابق


( قوله وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة وهلاك المبيع يمنع منها ) ووجه الفرق أن المبيع مال حقيقة وحكما ; لأنه عين متعين ، بخلاف الثمن ; لأنه إما ليس بمال بل دين حقيقة وحكما فيما إذا لم يشرع إلى نقد ، وإما مال حكما لا حقيقة فيما إذا أشار إليه لعدم تعلق العقد بما أشار إليه بل بمثله في ذمته ، والدين مال حكما لا حقيقة ، ولذا كانت البراءة منه تصح بلا قبول لعدم المالية الحقيقية غير أنها ترتد بالرد للمالية الحكمية ، وهبة العين لا تصح بلا قبول بحال ، ولا تتأدى زكاة العين بالدين ; لأن الدين ، أنقص من العين في المالية ولا يتأدى الكامل بالناقص ، ولذا لم يحنث من حلف لا مال له وله ديون عظام ، وإذا كان للمبيع هذه المزية وجب إظهارها ، وقد تعذر ذلك في ابتداء البيع ; لأن حاجته إلى المبيع والثمن سواء ، فأظهرناها في البقاء فجعلنا بقاء البيع حكما مضافا إلى قيام المبيع ، فإذا هلك ارتفع البيع وإن كان الثمن الدراهم باقية فامتنعت الإقالة ، إذ رفع ما لا وجود له لا يتصور .

وإنما جازت الإقالة فيما إذا كان رأس مال السلم عرضا معينا وقبضه المسلم إليه ثم هلك باعتبار أن السلم في هذا كبيع المقايضة ; لأن السلم فيه مبيع شرعا معقود عليه فقد اعتبر العين ثمنا والدين عينا مبيعا ، ولذا لا يجوز الاستبدال به قبل قبضه فجازت الإقالة ، ويضمن قيمة الهالك أو مثله في الإقالة كما في حقيقة المقايضة كما سنذكر ، أما لو تقايلا والبدلان قائمان ثم هلك أحدهما أيا كان [ ص: 493 ] فالإقالة صحيحة وعليه قيمة الهالك أو مثله ( ولو هلك بعض المبيع جازت الإقالة في الباقي لقيام البيع فيه ) .

( قوله ولو تقايضا ) بالياء المثناة من تحت : أي تبايعا بيع المقايضة فهلك أحد العوضين ( جازت الإقالة ; لأن كلا منهما مبيع ) من وجه ( فكان البيع باقيا ) ببقاء العين القائمة منهما فأمكن الرفع فيه ، وعليه تفرع ما لو اشترى عبدا بأمة وتقابضا ثم إن مشتري العبد باع نصفه من رجل ثم أقال البيع في الأمة جازت الإقالة وعليه لبائع العبد قيمة العبد ، وكذا لو لم يبع ولكن قطعت يد العبد وأخذ الأرش ثم أقال البيع في الأمة ، ولو هلك البدلان قبل الإقالة ارتفع البيع فامتنعت الإقالة ، أما لو تقايلا بعد هلاك أحدهما وصحت الإقالة ثم هلك الآخر قبل الرد بطلت الإقالة أيضا ، والفرق بين المقايضة والصرف فإن هلاك البدلين في الصرف غير مانع من الإقالة ، وفي المقايضة مانع أنه في الصرف لا يلزمه رد المقبوض بعد الإقالة بل رده أو مثله فلم تتعلق الإقالة بعينهما فلا تبطل بهلاكهما ، بخلاف غيره من البياعات فإنه يتعلق بعين المبيع ، ولو تقايلا السلم ورأس المال مما لا يتعين قائم في يد المسلم إليه رده ، وإن كان هالكا فإنما عليه رد مثله .

ولو تقايلاه بعدما قبض المسلم فيه وهو قائم في يد رب السلم صحت وعلى رب السلم رد عين ما قبضه ; لأن المقبوض بعقد السلم وإن كان عقدا على دين كعين ورد عليها العقد ولهذا يجوز بيعه مرابحة على رأس المال ذكره الإسبيجابي



[ فروع ] . ما يمنع الرد بالعيب يمنع الإقالة ، ولذا إذا هلكت الزيادة المتصلة أو المنفصلة أو استهلكها أجنبي تتوقف الإقالة على القبول في المجلس ، وتجوز الإقالة من الوكيل بالبيع والسلم في قول أبي حنيفة ومحمد كالإبراء خلافا لأبي يوسف ، .



وإقالة الوكيل بالشراء لا تجوز بالإجماع ، .



وفسخ الموكل مع المشتري جائز ، وفي جمع التفاريق : إقالة الوارث جائزة ، وأطلق في الجامع جواز إقالة الوصي ، وهو مقيد بما إذا لم يبع بأكثر من القيمة ، فإن باع بأكثر منها لا تصح إقالته ، وكذا المتولي أيضا لو اشترى بأقل من القيمة ليس له الإقالة .



ولو كان الثمن عشرة دنانير ودفع إليه الدراهم عوضا عن الدنانير ثم تقايلا وقد رخصت الدراهم رجع بالدنانير التي وقع العقد عليها لا بما دفع وكذا لو رد بالعيب ، وكذا في الإجارة لو فسخت ولو عقد بدراهم ثم كسدت ثم تقايلا فإنه يرد تلك الدراهم الكاسدة ، ولو عقدا بثمن مؤجل ثم جددا بحال أو على القلب انفسخ الأول ، وكذا لو عقدا بدراهم ثم جددا بدنانير أو على القلب ، أما لو جددا بدراهم أكثر وأقل فلا وهو حط من الثمن أو زيادة فيه ، وقالوا لو باع باثني عشر وحط عنه درهمين ثم عقدا بعشرة لا ينفسخ الأول ; لأنه مثله ، إذ الحط يلتحق بأصل العقد إلا في اليمين فيحنث لو كان حلف لا يشتريه باثني عشر درهما ، ولو قال المشتري بعد العقد قبل القبض للبائع بعه لنفسك فإن باعه جاز وانفسخ الأول ، ولو قال بعه لي أو لم يزد على قوله بعه أو زاد قوله ممن شئت لا يصح في الوجوه ; لأنه توكيل .

ولو باع المبيع من البائع قبل القبض لا ينفسخ البيع ، ولو وهبه قبل القبض انفسخ : يعني إذا قبل [ ص: 494 ] ولو قال البائع قبل القبض أعتقه فأعتقه جاز العتق عن البائع وانفسخ البيع عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف العتق باطل ، وفي الفتاوى الصغرى : جحود ما عدا النكاح فسخ ، وعليه ما فرع في فتاوى قاضي خان وغيرها ، باع أمة فأنكر المشتري الشراء لا يحل للبائع وطؤها إلا إن عزم على ترك الخصومة فيحل له حينئذ وطؤها ; لأن جحود المشتري فسخ في حقه ، وإذا عزم على ترك الخصومة فقد تم الفسخ منهما ، وكذا لو أنكر البائع البيع والمشتري يدعي لا يحل للبائع وطؤها ، فإن ترك المشتري الخصومة وسمع البائع بذلك حل له وطؤها ، ومثله لو اشترى جارية بشرط الخيار ثلاثة أيام وقبضها ثم رد على البائع جارية أخرى في أيام الخيار وقال هي التي اشتريتها وقبضتها كان القول له ; لأنه أنكر قبض غيرها ، فإن رضي البائع بها حل وطؤها ; لأن المشتري لما رد أخرى فقد رضي بتملك البائع الثانية بالأولى ، فإذا رضي البائع بذلك تم البيع بينهما بالتعاطي ، وكذا القصار والإسكاف ، .



وكذا لو اشترى شيئا مما يتسارع إليه الفساد كاللحم والسمك والفاكهة وذهب المشتري إلى بيته ليجيء بالثمن فطال مكثه وخاف البائع فساده كان له أن يبيعه من غيره استحسانا ، وللمشتري منه أن ينتفع به وإن كان يعلم ذلك ; لأن البائع رضي بانفساخ البيع الأول والمشتري كذلك ظاهرا ، ثم ينظر إن كان الثمن الثاني أكثر من الأول فعليه أن يتصدق بالزيادة ، وإن كان أنقص فالنقصان على البائع لا على المشتري الأول .



ولو اختلف البائع والمشتري فقال المشتري : بعته من البائع بأقل من الثمن الأول قبل نقده وفسد البيع بذلك وقال البائع بل أقلنا به فالقول للمشتري مع يمينه في إنكار الإقالة ، فإن كان البائع هو الذي يدعي أنه اشتراه من المشتري بأقل مما باعه والمشتري يدعي الإقالة يحلف كل على دعوى صاحبه .




الخدمات العلمية