الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعن هذا [ ص: 368 ] ( قلنا : إن من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لولده الصغير وخاطه ثم اطلع على عيب لا يرجع بالنقصان ، ولو كان الولد كبيرا يرجع ; لأن التمليك حصل في الأول قبل الخياطة ، وفي الثاني بعدها بالتسليم إليه ) . .

التالي السابق


( قلنا : إن من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لولده الصغير وخاطه ثم اطلع على عيب لا يرجع بالنقصان ) ; لأن التمليك من الابن الصغير حصل بمجرد القطع للغرض المذكور قبل الخياطة مسلما إليه وهو نائبه في التسلم فصار به حابسا للمبيع مع إمكان الرد ، والخياطة بعد ذلك وجودها وعدمها سواء فلا يرجع بالنقصان .

( ولو كان الولد كبيرا ) والباقي بحاله ( رجع ) بالنقصان ; لأنه لم يصر مسلما إليه إلا بعد الخياطة فكانت الخياطة على ملكه وكان امتناع الرد بسبب الزيادة التي هي الخياطة قبل إخراجه عن ملكه ، فبعد ذلك لا يتفاوت الحال بين أن يخرجه عن ملكه بالبيع أو الهبة أو لا في جواز الرجوع بالنقصان ، وهو معنى ما في الفوائد الظهيرية من أن الأصل في جنس هذه المسائل أن كل موضع يكون المبيع قائما على ملك المشتري ويمكنه الرد برضا البائع فأخرجه عن ملكه لا يرجع بالنقصان ، وكل موضع يكون المبيع قائما على ملكه ولا يمكنه الرد وإن رضي البائع فأخرجه عن ملكه يرجع بالنقصان انتهى .

وهذا أصل آخر في الزيادة اللاحقة بالمبيع الزيادة متصلة ومنفصلة وكل منهما ضربان فالمتصلة غير متولدة من المبيع كالصبغ والخياطة واللت بالسمن والغرس والبناء ، وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق خلافا للشافعي وأحمد ، ولو قال البائع : أنا أقبله كذلك ورضي المشتري لا يجوز لما ذكرنا من حق الشرع للربا ، ومن المتصلة غير المتولدة ما لو كان حنطة فطحنها أو لحما فشواه أو دقيقا فخبزه فلو باعه بعد ذلك يرجع بالنقصان ; لأنه ليس بحابس للمبيع بل امتنع قبل البيع لحق الشرع ، وفي كون الطحن والشيء من الزيادة المتصلة تأمل .

والمتولدة من الأصل كالسمن والجمال وانجلاء بياض العين لا يمتنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية ; لأن الزيادة تمحضت تبعا للأصل بتولدها منه مع عدم انفصالها ، فكأن الفسخ لم يرد على زيادة أصلا ، والمنفصلة المتولدة منه كالولد واللبن والثمر في بيع الشجر والأرش والعقر ، وهي تمنع الرد لتعذر الفسخ عليها ; لأن العقد لم يرد عليها ، ولا يمكن التبعية للانفصال فيكون المشتري بالخيار قبل القبض إن شاء ردهما جميعا وإن شاء رضي بهما بجميع الثمن .

وأما بعد القبض فيرد المبيع خاصة لكن بحصته من الثمن بأن يقسم الثمن على قيمته وقت العقد وعلى قيمة الزيادة وقت القبض ، فإذا كانت قيمته ألفا وقيمة الزيادة مائة والثمن ألف سقط عشر الثمن إن رده وأخذ تسعمائة ، وغير متولدة منه كالكسب وهي لا تمنع بحال بل يفسخ العقد في الأصل دون الزيادة ويسلم له الكسب الذي هو الزيادة ، وهو قول أحمد والشافعي رحمهما الله ، وفيه الحديث الذي ذكرناه أول الباب الذي [ ص: 369 ] فيه قول البائع إنه استغل غلامي فقال صلى الله عليه وسلم { الخراج بالضمان } وجعل الشافعي وأحمد حكم المنفصلة المتولدة في حكم الكسب لإمكان الفسخ على الأصل بدونها والزيادة للمشتري ، ونحن نفرق بين الكسب الذي تولد من المنافع وهي غير الأعيان ، ولذا كانت منافع الحر مالا مع أن الحر ليس بمال ، والعبد المكسوب للمكاتب ليس مكاتبا والولد تولد من نفس المبيع فيكون له حكمه فلا يجوز أن يسلمه له مجانا لما فيه من شبهة الربا ، ولو هلكت الزيادة بآفة سماوية ثبت له الرد كأنها لم تكن .

وبه قال الشافعي قبل الحكم بالأرش ، وإنما قيد المصنف بقوله أحمر لتكون زيادة بالاتفاق فإن السواد عنده نقص كما ستعلم فهو كالقطع ، وانتقاص المبيع في يد المشتري يمنع الرد بأي سبب كان بالاتفاق




الخدمات العلمية