الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكذا إذا قال رضيت ثم رآه له أن يرده ) لأن الخيار معلق بالرؤية لما روينا فلا يثبت قبلها ، وحق الفسخ قبل الرؤية بحكم أنه عقد غير لازم لا بمقتضى الحديث ، [ ص: 338 ] ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق فلا يعتبر قوله رضيت قبل الرؤية بخلاف قوله رددت .

التالي السابق


وقوله ( وكذا إذا قال رضيت ) إلى آخره ، أي وكذا له الخيار إذا رآه : يعني إذا قال رضيت كائنا ما كان قبل الرؤية ثم رآه له أن يرده ; لأن ثبوت الخيار معلق في النص بالرؤية حيث قال فهو بالخيار إذا رآه ، والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده والإسقاط لا يتحقق قبل الثبوت . وقوله وحق الفسخ إلخ جواب عن مقدر وهو طلب الفرق بين الفسخ والإجازة قبل الرؤية . فإنه إذا أجاز قبلها لا يلزم ، [ ص: 338 ] وإذا فسخ قبلها لزم مع استواء نسبة التصرفين في تعليقهما بالشرط في الحديث ولا وجود للمعلق قبل الشرط .

وحاصل الجواب أن المعلق بالشرط هو عدم قبل وجوده إذا لم يكن له سبب غير ذلك الشرط ، فإن الشيء قد يثبت بأسباب كثيرة ; فالحديث لما علق الخيار بالرؤية ثبت به تعليق كل من الإجازة والفسخ بها ; لأن معنى الخيار أن له أن يجيز وأن يفسخ ، ثم لم تثبت الإجازة بسبب آخر فبقي على العدم حتى يثبت سببه وهو الرؤية ، بخلاف خيار العيب سببه وهو العيب قائم قبل الرؤية ، فإذا قال رضيت قبل الرؤية سقط خياره إذا اطلع عليه لرضاه بالعيب قبل ذلك .

وأما الفسخ فثبت له سبب آخر وهو عدم لزوم هذا العقد على المشتري ، وما كان غير لازم عليه له أن يفسخه بالضرورة كالعارية الوديعة وإلا فهو لازم وقد فرض غير لازم ، هذا خلف .

وقد سلك المصنف رحمه الله مسلك الطحاوي في عدم نقل خلاف في جواز الرد قبل الرؤية ، ونقل في التحفة فيه اختلاف المشايخ منهم من منع وأنه لا رواية فيه . وأما قول المصنف ( ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق فلا يعتبر قوله رضيت قبل الرؤية ) فلو تم لزم أن لا يصح البيع بشرط البراءة من العيوب ; لأن حاصله الرضا بالبيع قبل رؤية العيب ، ثم لمن يمنع الفسخ قبل الرؤية أن يمنع وجود سبب آخر غير الرؤية ، وقولكم عدم اللزوم سبب آخر قبل الرؤية .

قلنا : نمنع تحقق عدم اللزوم بل نقول قبل الرؤية البيع بات فليس له فسخه ، فإن الشارع علق إثبات قدرة الفسخ والإجازة التي هي الخيار بالرؤية فقبله يثبت حكم السبب وهو اللزوم إلى غاية الرؤية ثم يرفعه عندها فتثبت قدرة الفسخ والإجازة معا . واعلم أن خيار الرؤية يثبت في أربعة مواضع ليس غير شراء الأعيان والإجازة .

والصلح عن دعوى مال على عين والقسمة ، وعرف من هذا أنه لا يكون في الديون فلا يكون في المسلم فيه ولا في الأثمان الخالصة ، بخلاف ما لو كان البيع إناء من أحد النقدين فإن فيه الخيار .

ولو تبايعا مقايضة ثبت الخيار لكل منهما ، ومحله كل ما كان في عقد ينفسخ بالفسخ لا ما لا ينفسخ كالمهر وبدل الصلح عن القصاص وبدل الخلع وإن كانت أعيانا ; لأنه لا يفيد فيها ; لأن الرد لما لم يوجب الانفساخ بقي العقد قائما ، وقيامه يوجب المطالبة بالعين لا بما يقابلها من القيمة ، فلو كان له أن يرده كان له أن يرده أبدا ، وليس للبائع أن يطالب المشتري بالثمن ما لم يسقط [ ص: 339 ] خيار الرؤية منه ولا يتوقف الفسخ على قضاء ولا رضا بل بمجرد قوله رددت ينفسخ قبل القبض وبعده ، لكن بشرط علم البائع عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف كما هو خلافهم في الفسخ في خيار الشرط




الخدمات العلمية