الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو اشترى ثوبا فأصابه قرض فأر أو حرق نار يبيعه مرابحة من غير بيان ، ولو تكسر بنشره وطيه لا يبيعه مرابحة حتى يبين ) والمعنى ما بيناه .

التالي السابق


( و ) من هذا ( لو اشترى ثوبا فأصابه قرض فأر أو حرق نار ) أو طعاما فتغير ( يبيعه مرابحة من غير بيان ) وقرض بالقاف وذكر أبو اليسر بالفاء ( ولو تكسر ) الثوب ( بطيه ونشره ) لزمه البيان ; لأنه بفعله قال الفقيه أبو الليث ، وقول زفر أجود وبه نأخذ واختياره هذا حسن ; لأن مبنى المرابحة على عدم الخيانة وعدم ذكره أنها انتقصت إيهام للمشتري أن الثمن المذكور كان لها ناقصة ، والغالب أنه لو علم أن ذلك ثمنها صحيحة لم يأخذها معيبة إلا بحطيطة ، وقد ذكر أول الباب أن سبب شرعية المرابحة اعتماد الغبي أن الثمن قيمتها حيث اشترى من له خبرة به فيطيب قلبه بشرائها به مع زيادة ربح لظنه أنه قيمتها ، وهذا يبين أنه لا يروم شراءها إلا بقيمتها كي لا يغبن ، وأنه لو علمه لم يرض فكان سكوته تقريرا له ، وقريب من هذا ما روى هشام عن محمد أن ذلك إذا نقصه العيب شيئا يسيرا .

فإن نقصه قدرا لا يتغابن فيه لا يبيعه مرابحة ، يعني بلا بيان ، لكن قولهم هو كما لو تغير السعر بأمر الله تعالى فإنه لا يجب عليه أن يبين أنه اشتراه [ ص: 507 ] في حال غلائه ، وكذا لو اصفر الثوب لطول مكثه أو توسخ إلزام قوي ، واستشكل على قوله الفائت وصف لا يقابله شيء من الثمن المشترى بأجل فإن الأجل وصف ، ومع ذلك لا يجوز بيعه مرابحة بلا بيان ، أجيب أن الأجل يعطى لأجله جزء من الثمن عادة فيكون كالجزء فيلزمه البيان ، وعلى قوله منافع البضع لا يقابلها شيء من الثمن ما إذا اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا لم يتمكن من ردها ، وإن كانت ثيبا وقت الشراء وذلك لاعتبار المشتري بالوطء حابسا جزءا من المبيع عنده ، وأجيب بأن عدم الرد في هذا ليس لما ذكرت بل ; لأنه لو ردها فإما مع العقر احترازا عن الوطء مجانا أو من غير عقر ، لا وجه إلى الأول لعود الجارية مع زيادة والزيادة تمنع الفسخ ; لأنه لا يرد على الزيادة ، ولا إلى الثاني ; لأنها تعود إلى قديم ملكه ، ويسلم المشتري الوطء بلا عوض باعتبار البيع ، وذلك لا يجوز بخلاف الواهب إذا رجع بعد وطء الموهوب له حيث يصح ولا يلزم الموهوب له شيء ; لأنها تسلم كلها للموهوب له بلا عوض فيجوز أن يسلم له الوطء بلا عوض ، ولا يجوز في صورة البيع أن يفسخ البيع ويسلم للمشتري أو للبائع زيادة متولدة من العين أو شيء وجب بإتلاف العين كالولد والأرش والعقر فكذا الوطء ، [ فروع ]

لو أصاب من غلة الدار أو الدابة شيئا رابح بلا بيان ; لأن الغلة ليست متولدة من العين إنما هو استيفاء منفعة واستيفاء المنفعة لا يمنع بيع المرابحة ، بخلاف ما لو أصاب من لبن الغنم وصوفها ، فإنه إذا ربح يسقط من رأس المال قدر ما أصاب من ذلك ويقول قام علي بكذا وتقدم أنه إذا أنفق في طعام الرقيق والدواب أنه يضمنه في غير السرف ، ولو ولدت الجارية أو الغنم أو أثمر النخيل يبيع الأصل مع الزيادة مرابحة ; لأنه لم يحبس شيئا من المعقود عليه ; ولأن نقصان الولادة بغير فعل ثم الزيادة تجبره ، ولو استهلك المشتري الزيادة لم يبع الأصل مرابحة حتى يبين ما أصاب منها ; لأنها متولدة من العين والمتولد كجزء المبيع ، وكذا إذا استهلك الألبان والسمن فإنه لا يرابح إلا ببيان ، وفي المبسوط : اشترى نصف عبد بمائة واشترى آخر نصفه بمائتين ثم باعه مرابحة أو تولية أو وضيعة قال بينهما ثلاثا ولو باعه مساومة يكون بينهما نصفين ; لأن المسمى فيه بمقابلة الملك ، ولهذا استوى فيه المشتري والموهوب وبيعهما في العبد سواء ، بخلاف تلك العقود فإن الثمن فيها مبني على الأول ، ولو حط البائع الأول من الثمن بعدما باعه المشتري مرابحة فإنه يحط ذلك من المشتري الآخر مع حصته من الربح ولو كان ولاه حط ذلك عندنا ، وعند زفر والشافعي لا يحط عن الثاني بهذا السبب شيء ، وأصله أن الحط يلتحق بأصل العقد عندنا وعنده لا ، بل هو هبة مبتدأة لا تتم إلا بالتسليم ، وكذا الزيادة عندنا حتى يصير كأن العقد عقد بما بقي فيثبت ذلك في حق الشفيع والموكل ، وهذا بخلاف ما لو حط الكل في المرابحة والتولية فإن له أن يرابح على كل الثمن ويوليه .




الخدمات العلمية