الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وبيع الأعمى وشراؤه جائز وله الخيار إذا اشترى ) لأنه اشترى ما لم يره وقد قررناه من قبل ( ثم يسقط خياره بجسه المبيع إذا كان يعرف بالجس ، ويشمه إذا كان يعرف بالشم ، ويذوقه إذا كان يعرف بالذوق ) كما في البصير ( ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له ) [ ص: 349 ] لأن الوصف يقام مقام الرؤية كما في السلم . وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا وقف في مكان لو كان بصيرا لرآه وقال : قد رضيت سقط خياره ، لأن التشبه يقام مقام الحقيقة في موضع العجز كتحريك الشفتين يقام مقام القراءة في حق الأخرس في الصلاة ، وإجراء الموسى مقام الحلق في حق من لا شعر له في الحج .

وقال الحسن : يوكل وكيلا بقبضه وهو يراه وهذا أشبه بقول أبي حنيفة لأن رؤية الوكيل كرؤية الموكل على ما مر آنفا .

التالي السابق


( قوله وبيع الأعمى وشراؤه جائز ) باتفاق الأئمة الثلاثة . وقال الشافعي : لا يجوز إلا في السلم ، والشراء يمد في لغة الحجاز ، ويقصر لأهل نجد ( وله الخيار إذا اشترى ; لأنه اشترى ما لم يره ) فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق { من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه } ( وقد قررناه من قبل ) في أول الباب ; ولأن الناس تعارفوا معاملة العميان بيعا وشراء ، والتعارف بلا نكير أصل في الشرع بمنزلة إجماع المسلمين ( ثم يسقط خياره بجسه المبيع إذا كان يعرف بالجس ) كالشاة ( ويشمه إذا كان يعرف بالشم ) كالطيب ( وبذوقه إذا كان يعرف بالذوق ) كالعسل . وقوله ( كما في البصير ) ظاهر في أن البصير إذا لم ير المبيع ولكن شمه فقط وهو مما يعرف بالشم كالمسك ونحوه فرضي به ثم رأى فلا خيار له ( ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له ) [ ص: 349 ] في جامع العتابي هو أن يوقف في مكان لو كان بصيرا لرآه ثم يذكر له صفته .

ولا يخفى أن إيقافه في ذلك المكان ليس بشرط في صحة الوصف وسقوط الخيار به فلذا لم يذكره في المبسوط ، واكتفى بذكر الوصف ( لأن الوصف قد أقيم مقام الرؤية كما في السلم ) وممن أنكره الكرخي ، وقال : وقوفه في ذلك الموضع وغيره سواء في أنه لا يستفيد به علما ( وعن أبي يوسف أنه إذا وقف في مكان لو كان بصيرا لرأى العقار ، وقال : رضيت سقط خياره ; لأن التشبه يقام مقام الحقيقة في موضع العجز كتحريك الشفتين يقام مقام القراءة للأخرس ، وإجراء الموسى على رأس من لا شعر له ) في الإحلال من الإحرام ، ولا يخفى ضعفه ; لأن العجز لا يتحقق إلا بتحقق العجز عن الوصف فإن القائم مقام الشيء بمنزلته ، وقد ثبت شرعا اعتباره بمنزلته في السلم ، ووجوب إجراء الموسى مختلف فيه ، وكذا التحريك غير لازم للأمي .

وعن أبي يوسف أيضا أنه اعتبر الوصف في غير العقار أيضا ولم يعتبر الشم ولا الذوق والجس ; لأن الوصف يقوم مقام الرؤية كما ذكرنا .

وقال مشايخ بلخ : يمس الحيطان والأشجار ، فإذا قال : رضيت سقط خياره ; لأن الأعمى إذا كان ذكيا يقف على مقصوده بذلك ، وهو رواية بشر وابن سماعة في الدار . وفي رواية هشام عن محمد أنه يعتبر الوصف مع كل من الذوق واللمس والجس ; لأن التعريف الكامل في حقه يثبت بهذا إلا فيما لا يمكن جسه كالثمر على رءوس الشجر فيعتبر فيه الوصف لا غير في أشهر الروايات ، وهو المروي عن أبي يوسف ومحمد في شرح الجامع الصغير لأبي الليث ( وقال الحسن : يوكل وكيلا بقبضه وهو يراه ) فيسقط بذلك خياره .

قال المصنف : ( وهذا أشبه بقول أبي حنيفة حيث جعل رؤية الوكيل رؤية الموكل ) ولو وصف [ ص: 350 ] للأعمى ثم أبصر لا خيار له ; لأن خياره سقط فلا يعود إلا بسبب جديد ، ولو اشترى البصير ثم عمي انتقل الخيار إلى الوصف




الخدمات العلمية