الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن شرط له الخيار فله أن يفسخ في المدة وله أن يجيز ، فإن أجازه بغير حضرة صاحبها جاز [ ص: 313 - 314 ] وإن فسخ لم يجز إلا أن يكون الآخر حاضرا عند أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : يجوز )

وهو قول الشافعي والشرط هو العلم ، وإنما كنى بالحضرة عنه . له أنه مسلط على الفسخ من جهة صاحبه فلا يتوقف على علمه كالإجازة ولهذا لا يشترط رضاه وصار كالوكيل بالبيع .

ولهما أنه تصرف في حق الغير وهو العقد بالرفع ، ولا يعرى عن المضرة ; لأنه .

[ ص: 315 ] عساه يعتمد تمام البيع السابق فيتصرف فيه فتلزمه غرامة القيمة بالهلاك فيما إذا كان الخيار للبائع ، أو لا يطلب لسلعته مشتريا فيما إذا كان الخيار للمشتري ، وهذا نوع ضرر فيتوقف على علمه وصار كعزل الوكيل ، بخلاف .

[ ص: 316 ] الإجازة لأنه لا إلزام فيه ، ولا نقول إنه مسلط ، وكيف يقال ذلك وصاحبه لا يملك الفسخ ولا تسليط في غير .

[ ص: 317 ] ما يملكه المسلط ، ولو كان فسخ في حال غيبة صاحبه وبلغه في المدة تم الفسخ لحصول العلم به ، ولو بلغه بعد مضي المدة تم العقد بمضي المدة قبل الفسخ .

التالي السابق


( قوله ومن شرط له الخيار ) سواء كان بائعا أو مشتريا أو أجنبيا ( له أن يجيز ) في مدة الخيار بإجماع الفقهاء ( وله أن يفسخ ، فإن أجاز بغير حضرة صاحبه ) يريد بغير علمه ( جاز ) فإذا كان الخيار للبائع فنفاذ البيع بأحد معان ثلاثة : بمضي مدة الخيار وبموته وبإغمائه وجنونه في المدة ، فإن أفاق فيها قال الإسبيجابي : الأصح أنه على خيار ، ولو سكر من الخمر لم يبطل سكره من البنج ، ولو ارتد فعلى [ ص: 313 ] خياره إجماعا ، فلو تصرف بحكم الخيار فهو موقوف عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما . والمعنى الثالث أن يجيز البائع كأن يقول : أجزت البيع ورضيته وأسقطت خياري ونحو ذلك ، وإذا كان الخيار للمشتري فنفاذه بما ذكرنا من الأمور الثلاثة للبائع ، وبالفعل بأن يتصرف في المبيع تصرف الملاك في مدة الخيار بأن يعتق أو يكاتب أو يدبر أو يبيع المبيع أو يهبه ويسلمه أو يرهنه أو يؤجره وإن لم يسلمه على الأصح ، وكذا إذا علق عتقه في المدة فوجد الشرط فيها ، ومن ذلك أن يباشر في المبيع فعلا لا يحتاج إليه للامتحان ، ولا يحل في غير الملك بحال ، فإن كان يحتاج إليه للامتحان ويحل في غير الملك فهو على خياره ، فالوطء إجازة ، وكذا التقبيل بشهوة والمباشرة بشهوة ، والنظر إلى الفرج بشهوة لا بغير شهوة ; لأن ذلك يحل في غير الملك في الجملة ، فإن الطبيب والقابلة يحل لهما النظر والمباشرة . نعم التقبيل لا إلا أن النظر إليه من حيث هو مس ، ولو أنكر الشهوة في هذه كان القول قوله ; لأنه ينكر سقوط خياره ، وكذلك إذا فعلت الجارية ذلك يسقط خياره في قول أبي حنيفة ، وقال محمد : لا يكون فعلها ألبتة إجازة للبيع ; لأن شرط الخيار ليختار هو لا ليختار عليه ، ولأبي حنيفة أن حرمة المصاهرة تثبت بهذه الأشياء فكانت ملحقة بالوطء فصارت هذه الأشياء من حيث هي ملحقة بالوطء في إيجاب الحرمة كالمضاف إلى الرجل . وأما المباضعة مكرها كان أو مطاوعا اختيار . أما عند أبي حنيفة فظاهر

وأما عند محمد ; فلأن الوطء تنقيص ، حتى لو وجدت من غير المشتري يمتنع الرد ، فأما المباشرة إذا ابتدأتها والمشتري كاره ثم تركها وهو يقدر على الامتناع فهو اختيار ، وإنما يلزم سقوط الخيار في غير المباضعة إذا أقر بشهوتها ; لأن فعلها يلزم إسقاط خياره فيتوقف على إقراره بما يسقط خياره ، ولو دعا الجارية إلى فراشه لا يسقط خياره ، والاستخدام ليس بإجازة ; لأنه يمتحن به ، والاستخدام ثانيا إجازة إلا إذا كان في نوع آخر . وقد اختلف كلامه في الفتاوى الصغرى فقال : الاستخدام مرارا لا يكون إجازة . وقال في موضع آخر : قال المرة الثانية تبطل الخيار ، وأكله المبيع وشربه ولبسه يسقط الخيار . وفي فتاوى قاضي خان : إذا لبسه مرة واستخدم الخادم مرة لا يبطل خياره ويبطل بمرتين ، وركوبها ليسقيها أو يردها ويعلفها إجازة . وقيل إن لم يمكنه بدون الركوب لا يكون إجازة . وأطلق في فتاوى قاضي خان أنه لا يبطل خياره فقال : وركوبها ليسقيها أو يردها على البائع لا يبطل خياره استحسانا فجعله الاستحسان . ولو قطع حوافر الدابة أو أخذ بعض عرفها لا يبطل . ولو نسخ من الكتاب لنفسه أو لغيره لا يسقط . ولو درس فيه يسقط ، وقيل على العكس ، وبه أخذ أبو الليث ، وطلب الشفعة بالدار المشتراة رضا بها ، بخلاف خيار الرؤية والعيب . ولو حدث به عيب في خيار المشتري بطل خياره سواء حدث بفعل البائع أو بغير فعله عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد : لا يلزمه العقد بفعل البائع ; لأن البائع لا يقدر على إلزام البيع ، ومتى قلنا إنه يلزم بجنايته أثبتنا له قدرة إلزامه فتفوت فائدة شرط الخيار للمشتري ، بخلاف ما إذا كان من أجنبي فإن لزومه لا من قبله .

ولهما أن ما ينقص بفعل البائع في ضمان المشتري فيلزم العقد في ذلك القدر الذي تلف في ضمانه وتعذرت على البائع حصته من الثمن ، فمتى رد الباقي كان تفريقا للصفقة على البائع قبل التمام في حق الرد ، وهو لا يجوز كفعل الأجنبي ; وإذا .

[ ص: 314 ] عرف هذا عرف أن المشتري يرجع على البائع بالأرش ، ولو كان الخيار للبائع وحدث به عيب فهو على خياره ; لأن ما انتقص بغير فعله فهو غير مضمون على البائع ، وكذا لو سقطت أطرافه لم يسقط شيء من الثمن لكنه يتخير المشتري ، ولو حدث بفعل البائع انتقص البيع ; لأن ما انتقص مضمون عليه ويسقط حصته من الثمن ، فلو نفينا الخيار تفرقت الصفقة على المشتري ولو بزغ الدابة فهو رضا ، ولو حلب لبنها فهو رضا عند أبي حنيفة رواه أبو يوسف عنه ، وقال أبو يوسف : لا يكون رضا حتى يشربه أو يستهلكه ، ولو سقى حرثا في الأرض فيما إذا اشترى الأرض أو حصد الزرع أو فصل منه شيئا فيما إذا اشترى الزرع فهو رضا . ولو سقى دوابه من النهر أو شرب هو فليس برضا ، ولو طحن في الرحى فهو رضا ، وقد ذكر فيها تفصيل وذلك في رحى الماء وليست في ديارنا . ولو كان المبيع دارا فيها ساكن فطلب المشتري الأجرة من الساكن فهو إجازة . ولو غسل العبد أو الجارية أو مشطها بالمشط والدهن وألبسها فليس برضا ( قوله وإن فسخ ) أي من له الخيار في المدة ( بغير حضرة الآخر ) أي بغير علمه ( لم يجز ) عند أبي حنيفة ومحمد وهو قول مالك ( وإنما كنى بالحضرة عن العلم ) حتى لو لم يبلغه الفسخ إلا بعد المدة تم البيع لعدم اعتبار ذلك الفسخ

( وقال أبو يوسف : يجوز وهو قول الشافعي ) وكذا الخلاف في خيار الرؤية والفسخ بالقول في المدة بأن يقول فسخت أو رددت البيع وغير ذلك مما يدل على رد البيع ، وهذا الفسخ بالقول هو الذي الخلاف في جوازه بغير علم الآخر . وأما الفسخ بالفعل فيجوز بغير علمه اتفاقا ، وكان مقتضى النظر أن من قال بمنع الفسخ بغير علم صاحبه بالقول أن يقول به فيما هو فعل اختياري ; لأنه كالقول من حيث هو اختيار يثبت به الانفساخ ، بخلاف الموت وفعل الأمة ودخول العيب بغير صنعه والهلاك ، فإن كان الخيار للبائع فهو أن يتصرف في المبيع تصرف الملاك كالعتق والبيع والوطء ، وجميع ما قدمنا أنه إجازة إذا صدر من المشتري من الأفعال فهو فسخ إذا صدر من البائع ( له ) أي لأبي يوسف ( أنه ) أي الفاسخ منهما ( مسلط على الفسخ من جهة صاحبه ) يعني الذي لا خيار له ( فلا يتوقف ) فسخه ( على علمه ) كبيع الوكيل يجوز مع عدم علم الموكل ( ولهما أنه تصرف في حق الغير ) وهو الذي لا خيار له ( بالرفع ولا يعرى عن الضرر ; لأنه ) أي الغير الذي لا خيار له [ ص: 315 ] عساه يعتمد على تمام البيع السابق ) إذا انقضت المدة ولم يظهر له الفسخ ( فيتصرف ) المشتري ( فيه ) فيما إذا كان الخيار للبائع والواقع أنه فسخ ( فتلزمه غرامة القيمة بالهلاك ) وقد تكون القيمة أكثر من الثمن

( ولا يطلب لسلعته مشتريا ) اعتمادا على نفاذ البيع لما لم يظهر له الفسخ في المدة اعتمادا على تمامه ( فيما إذا كان الخيار للمشتري وهذا نوع ضرر ) يجيء من قبل الانفراد بالفسخ فيتوقف علمه وصار كعزل الوكيل قصدا حال عدم علمه لا يثبت حكم العزل في حقه ما لم يعلم به كي لا يتضرر بلزوم الثمن من ماله إذا كان وكيلا بالشراء ، وببطلان قوله وتصرفه إذا كان وكيلا بالبيع ، وربما يعتمد المشتري منه النفاذ فيتشعب الفساد . والحاصل قياسان تعارضا قياس أبي يوسف على تصرف الوكيل وقياسهما على عزل الوكيل ، ثم في قياسهما أمور طردية لا معنى لها وهو قوله تصرف في حق الغير بالرفع ، فإن هذا لا أثر له في نفي الصحة بلا علم ، إنما أثره في نفي الصحة بلا إذن ، فإن كونه حق الغير يمنع التصرف بلا إذن ، فهو بالنسبة إلى العلم طرد ، والإذن قد وجد في ضمن شرط الخيار له . فإن قيل : لا نسلم أن شرط الخيار تضمن الإذن له بالفسخ مطلقا إنما يكون ذلك لو لم يكن مظنة أن يلحقه ضرر ، أما إذا كان الفسخ بغير علمه طريق ضرر يلحقه فلا . قلنا فاستقام حينئذ أن المؤثر ليس إلا كون فسخه مظنة ذلك الضرر ، وصح قولنا إن ما سواه لا أثر له من كونه تصرف في حقه بلا علمه ، وحينئذ فيقتصر النظر على إثبات الضرر ، ولا يخفى أن الضرر الذي ذكر أنه يلحق المشتري إذا كان الخيار للبائع في حيز التعارض ; لأن الضرر لزوم القيمة إنما يكون بناء على زيادة القيمة على الثمن وهو غير لازم ولا أكثري ، بل قد يكون الثمن أكثر من القيمة فهما في محل التعارض ، بل الغالب أن البيع يكون بما هو قيمة المبيع خصوصا بياعات الأسواق فبطل ذلك الشق

وأما ضرر البائع باعتماده فلا يطلب لسلعته مشتريا ، فإنما لحقه من تقصيره حيث لم يستكشف من المشتري في المدة هل فسخت أو لا ، ومثل هذا كثير من الفقه أعني إلزام ما هو ضرر لتقصير من لزمه في احتياطه لنفسه مع المكنة ، بخلاف الوكيل فإن ضرره لازم بإلزام ثمن ما يشتريه عليه إن كان وكيلا للشراء ; لأن الشراء إذا وجد نفاذا لا يتوقف فيتضرر بإلزام ثمن ما لا غرض له فيه ولا حاجة له به ، وقد لا يكون مالكا لمقداره وبإهدار أقواله : أعني عقوده إذا كان [ ص: 316 ] وكيلا بالبيع . وهذا أضر على النفس من اقتراض المال لدفع الدين لما يلزمه عند الناس من تحقير شأنه ووضع قدره ، فالوجه لأبي يوسف والشافعي أقوى والله أعلم .

وقوله حينئذ ( ولا نقول إنه مسلط ) من جهته ( وكيف وهو لا يملك الفسخ فلا يملك تسليطه ) مشاحة لفظية ، فإن المراد من سلطه أذن له في التصرف في حقه ذلك بالرفع في المدة ، فإذا منع تضمن شرط الخيار الإذن بلا علمه للضرر ، فكان الإذن مقيدا بعدم محل الضرر وهو حال العلم . فجوابه ما ذكرنا من انتفائه في صورة التعارض وعدم تأثيره في أخرى لتقصيره من يلزمه ، وبهذا أجابوا عن المعارضة القائلة لو لم ينفرد من له الخيار بالفتح يتضرر هو أيضا ; لأنه يمكن أن يختفي صاحبه في المدة حتى تنقضي ، فقالوا : هذا الضرر إنما لزمه من جانبه بتقصيره في أخذ الكفيل . وأما الجواب بأن الضرر بالاختفاء على صاحب الخيار لعجزه عن إحضاره لا بالاختفاء ففي سعة فضل الله التجاوز عنه . وقيل : الظاهر أنه لا يختفي ; لأنه أمين حيث أثبت الخيار لصاحبه .

واعلم أن الإلزام بهذا الفرع على إحدى الروايتين . في فتاوى قاضي خان : جاء إلى باب البائع ليرده فاختفى فيه فطلب من القاضي خصما ليرده عليه ، قال بعضهم : ينصب نظرا للمشتري ، وقال محمد بن سلمة : لا يجيبه ; لأن المشتري ترك النظر لنفسه حيث لم يأخذ منه وكيلا مع احتمال غيبته فلا ينظر له ، فإن لم ينصب القاضي وطلب المشتري من القاضي الإعذار عن محمد روايتان : وفي رواية يجيبه فيبعث مناديا ينادي على باب البائع أن القاضي يقول : إن خصمك فلانا يريد أن يرد المبيع عليك ، فإن حضرت وإلا نقضت البيع ولا ينقض القاضي بلا إعذار . وفي رواية : لا يجيبه إلى الإعذار أيضا ، وقيل لمحمد يعني على هذه الرواية كيف يصنع المشتري ؟ قال : ينبغي للمشتري أن يستوثق فيأخذ منه وكيلا ثقة إذا خاف الغيبة حتى إذا غاب يرده على الوكيل : وطريق نقض القاضي على إحدى الروايتين أنه إذا قال الخصم : إني أعذرت إليه وأشهدت فتوارى فيقول القاضي اشهدوا أنه زعم أنه أعذر إلى صاحبه في المدة كل يوم واختفى ، فإن كان الأمر كما زعم فقد أبطلت عليه الخيار ، فإن ظهر وأنكر فعلى المدعي البينة بالخيار والإعذار ، وهذا ; لأنه لا يمكن من إقامة البينة على ذلك قبل ظهوره ; لأنه لا يحكم على غائب ولا تسمع حال غيبته للحكم بها عليه . وإذا عرف هذا فالمسائل الموردة نقضا مسلمة ; لأنها على [ ص: 317 ] وفق ما ترجح من قول أبي يوسف ، لكنا نوردها بناء على تسليم تمام الدليل : فمنها أن المخيرة يتم اختيارها لنفسها بلا علم زوجها ويلزمه حكم ذلك . وأجيب بأن لزوم حكم الطلاق على الزوج بإيجابه نفسه وهو تخييره وهو بعد الرضا والعلم ، وهو مدفوع بأن إثبات خيار الفسخ بمنزلة إثبات خيار الطلاق ، فإن كان الطلاق بإيجابه فيجوز حال غيبته فكذا الفسخ بإيجابه فيجوز حال غيبته . ومنها الرجعة ينفرد بها الزوج ويلزم حكمها المرأة ، حتى لو تزوجت بعد ثلاث حيض فسخ إذا أثبت الرجعة قبلها

أجيب بأن الزوج لا يلزمها حكما جديدا ; لأن الطلاق الرجعي لا يرفع النكاح وإنما يثبت البينونة عند فراغ العدة بشرط عدم الرجعة فكان عليها أن تستكشف شرط تصرفها هل هو موجود أو لا . ومنها الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص ، فإن حكمها يلزم غيره بلا علمه . وأجيب بأنها إسقاطات لا يلزم بها شيء من أسقط عنه فلا يتوقف على علمه . ومنها خيار المعتقة يصح اختيارها الفرقة بلا علم زوجها . أجيب لا رواية فيها . وعلى تقدير التسليم فالتخيير أثبته لها الشرع مطلقا ولا الولاية عليها ، ولا يخفى أن هذا من فساد الوضع ، فإن كون الشرع أثبت حكم التصرف على الآخر بغير علمه في خيار المخيرة يقتضي أن الشرع لا يوقف صحة التصرف على علم الآخر في ثبوت حكمه في حقه . فإن قلت : فما الضرر الذي يلزمه أولا حتى يحتاج إلى جوابه ؟ قلنا : امتناعه عن تزوج أمة بناء على قيام نكاح التي أعتقت . ومنها خيار المالك في بيع الفضولي بدون علم المتعاقدين . أجيب بأن عقدهما لا وجود له في حق المالك إذ لا ولاية لهما عليه ، فإذا رد فقد بقي عدم شرط الثبوت فانعدم أصلا في حقه فإنه يقع الانعقاد حكما . ومنها العدة فإنها تلزم على المرأة بتطليق الزوج ، وإن كان بغير علمها . وأجيب بأن العدة لا تجب بالطلاق حتى يتوقف نفاذ الطلاق على علم من تجب عليه العدة ; ألا ترى أنها لا تجب بالطلاق قبل الدخول بل الطلاق تصرف في حق نفسه بإزالة ملك أقدره الله تعالى عليه فإنما تلزم في ضمن الطلاق والعبرة للمتضمن لا للمتضمن ، وأما هنا فليس جواز الفسخ له بتسلط صاحبه لما ذكرنا وقد عرف ما فيه . [ فروع ]

اشتريا غلاما على أنهما بالخيار فرضي أحدهما لا رد للآخر عنده . وقالا عنده . وقالا له رد نصيبه . ولو كان الخيار للعاقدين فقال البائع : بحضور المشتري أجزته ثم قال المشتري : فسخته بحضوره انفسخ ، فإن هلك في يد المشتري سقط الثمن ، ولو بدأ المشتري بالفسخ ثم البائع بالإجازة ثم هلك فعلى المشتري قيمته ، ولو تفاسخا العقد ثم هلك في يد المشتري قبل الرد يبطل حكم الفسخ ذكره في المجتبي . وفي الفتاوى : باع أرضا على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام وتقابضا ثم نقض البائع البيع تبقى الأرض مضمونة على المشتري وللمشتري حبسها لاستيفاء الثمن الذي كان دفعه إلى البائع ، فإن أذن البائع بعد ذلك للمشتري في زراعتها تصير أمانة عند المشتري وكان للبائع أن يأخذها متى شاء قبل أن يرد الثمن وليس للمشتري حبسها ; لأنه لما زرعها بإذن البائع صار كأنه سلمها إلى البائع ، ولو مرض العبد والخيار للمشتري فلقي البائع فقال له نقضت البيع ورددت العبد عليك فلم يقبل البائع ولم يقبضه فإن مضت المدة والعبد مريض لزم المشتري ، وإن صح فيها فلم يرده حتى مضت كان له أن يرده على البائع بذلك الرد الذي كان منه . ومن باع على أنه بالخيار فصالحه المشتري على دراهم أو عرض بعينه على أن يسقط الخيار ويمضي [ ص: 318 ] البيع جاز وطاب له إذ حاصله زيادة في الثمن ، وكذا لو كان الخيار للمشتري فصالحه البائع على أن يسقط الخيار ويحط عنه من الثمن كذا أو يعطيه هذا العرض جاز ; لأنه زيادة في المبيع أو حط من الثمن ; ولو أمره ببيع عبده على أن يشترط الخيار له ثلاثة أيام فباعه مطلقا لم يجز ، ولو أمره مطلقا فباعه بشرط الخيار للآمر أو للأجنبي صح ، ولو وكله بالشراء توكيلا صحيحا فهو على ما ذكرنا من التفصيل إلا أن العقد متى لم ينفذ على الآمر ينفذ على المأمور بخلاف البيع ; لأن الشراء إذا لم يجد نفاذا نفذ على العاقد .




الخدمات العلمية