الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 318 ] قال : ( وإذا مات من له الخيار بطل خياره ولم ينتقل إلى ورثته ) وقال الشافعي : يورث عنه ; لأنه حق لازم ثابت في البيع فيجري فيه الإرث كخيار العيب والتعيين . ولنا أن الخيار ليس إلا مشيئة وإرادة ولا يتصور انتقاله ، والإرث فيما يقبل الانتقال .

[ ص: 319 ] بخلاف خيار العيب ; لأن المورث استحق المبيع سليما فكذا الوارث ، فأما نفس الخيار لا يورث ، وأما خيار التعيين يثبت للوارث ابتداء لاختلاط ملكه بملك الغير لا أن يورث الخيار .

التالي السابق


( قوله وإذا مات من له الخيار بطل خياره ) بائعا كان أو مشتريا ( ولم ينتقل إلى ورثته ) وإذا بطل خياره يلزم البيع ، فإن كان الخيار للبائع دخل ثمن المبيع في ملك ورثته ، وإن كان الخيار للمشتري دخل المبيع في ملك ورثته وللبائع الثمن في التركة إن لم يكن قبضه . وقيد بمن له الخيار ; لأنه إذا مات العاقد الذي لا خيار له فالآخر على خياره بالإجماع ، فإن أمضى مضى وإن فسخ انفسخ ( وقال الشافعي : يورث عنه ) وبه قال مالك على ما هو في كتبهم المشهورة ( ; لأنه ) أي الخيار ( حق ) للإنسان ( لازم ) حتى إن صاحبه لا يملك إبطاله ( فيجري فيه الإرث كخيار العيب والتعيين ) فإنهما يورثان بالاتفاق ( ولنا أن الخيار ليس إلا مشيئة وإرادة فلا يتصور انتقاله ) ; لأنه وصف شخصي لا يمكن فيه ذلك ( والإرث فيما ) يمكن ( فيه الانتقال ) وهو الأعيان ، ولفظ مشيئة منصوب على أنه خبر ليس ، وما في الشروح من أنه بدل من الخبر وتقديره أن الخيار ليس شيئا إلا مشيئة مبني على قول ضعيف في العربية من أن يقدر المعمول غير ما فرغ العامل له ويجعل ما بعد إلا بدله . والمختار أن المفرغ له هو المعمول ، ففي ما قام إلا زيد زيد فاعل ، بخلاف ما قاسوا [ ص: 319 ] عليه من خيار العيب ; لأن الإرث فيه للعين ومن جملته الجزء المستحق ، فإذا دخل في ملكه تمام الأجزاء وبعضها محتبس عند إنسان كأن يختار أن يترك حقه أو يطلبه وهذا معنى ثبوت خيار العيب غير أن طلبه لا يمكن شرعا إلا برد الكل . وأما خيار التعيين فجعله أصلا آخر للشافعي لا يصح على أصله ; لأنه لا يجيز خيار التعيين فكأنه ذكره إلزاما لنا .

وجوابه كذلك أن الموروث هو أحد العينين المخير في تعيينه فينتقل إلى الوارث ذلك ولازمه اختلاط الملكين فصار كما إذا ورث مالا مشتركا فيثبت حكم ذلك ، وهو وجوب التعيين والإفراز ، وهو معنى الخيار ، فجاء الخيار لازما للعين الموروثة في الموضعين ضمنا لا قصدا على وجه الاستقلال ، ولا يمكن ذلك فيما فيه خيار الشرط ; لأن البيع ليس ملزوما للخيار لينتقل إلى الوارث بما فيه ، على أنه لا يتصور فيما إذا كان الخيار للمشتري ، فإنه لم يدخل المبيع في ملكه عند أبي حنيفة فلا يورث ، ووجهه قوي على ما تقدم ، ويقال : على أصل الدليل قولكم لا يتصور انتقال الوصف إن أردت حقيقة فمسلم ، لكن مرادنا بالانتقال أن يثبت للوارث شرعا ملك خلف ملك الميت أو استحقاقه لا عين ذلك الملك ، والاستحقاق المقيد بالإضافة إلى الميت ; لأن ذلك غير ممكن ، فالوجه في الاستدلال ليس إلا أن يقال : ثبوت ذلك شرعا في أملاك الأعيان معلوم متفق عليه ، وأما ثبوته عن الشرع في غيرها من الحقوق يتوقف على الدليل السمعي ولم يوجد ، ونفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي ، فإن قالوا : بل قد وجد وهو ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { من ترك مالا أو حقا فلورثته ، ومن ترك كلا أو عيالا فإلي } قلنا : الثابت قوله مالا في الصحيح ، وأما الزيادة الأخرى فلم تثبت عندنا وما لم يثبت لم يتم به الدليل . وأما الجواب بأن الملك إنما ينتقل في ضمن انتقال العين فيعد أنه في غاية الضعف ، إذ لا معنى لكون الإرث انتقالا لنفس ذات العين والملك يتبعها بقليل تأمل ، فإن حقيقة انتقالها إنما هو في المكان فآل إلى أن المراد انتقال ملكها ليس غير ، ثم بينا أن المراد بقولهم انتقل ملكها بما ينفي كل ذلك الكلام والمحاورات المكتوبة في بعض الشروح . هذا ويلزمه على تقدير ثبوته أن يورث خيار المجلس عندهم والمنقول عنهم عدمه . ثم نقول : مقتضى النظر أن يتفرع عدم انتقال الخيار إلى الورثة على قول أبي حنيفة ، أما على قولهما فينبغي أن يورث فإنهما يثبتان الملك للمشتري بالخيار في العين فينتقل إلى الورثة عين مملوكة له فيها خيار أن يفسخ كما في خيار العيب بعينه ، وفي خيار [ ص: 320 ] البائع ينتقل الثمن مملوكا لهم .




الخدمات العلمية