الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 323 ] قال ( ومن باع عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام فالبيع فاسد ، وإن باع كل واحد منهما بخمسمائة على أنه بالخيار في أحدهما بعينه جاز البيع ) والمسألة على أربعة أوجه : أحدها أن لا يفصل الثمن ولا يعين الذي فيه الخيار وهو الوجه الأول في الكتاب وفساده لجهالة الثمن والمبيع ; لأن الذي فيه الخيار كالخارج عن العقد ، إذ العقد مع الخيار لا ينعقد في حق الحكم فبقي الداخل فيه أحدهما وهو غير معلوم .

والوجه الثاني أن يفصل الثمن ويعين الذي فيه الخيار وهو المذكور ثانيا في الكتاب ، وإنما جاز ; لأن المبيع معلوم والثمن معلوم ، [ ص: 324 ] وقبول العقد في الذي فيه الخيار وإن كان شرطا لانعقاد العقد في الآخر ولكن هذا غير مكسد للعقد لكونه محلا للبيع كما إذا جمع بين قن ومدبر .

والثالث أن يفصل ولا يعين . والرابع أن يعين ولا يفصل ، فالعقد فاسد في الوجهين : إما لجهالة المبيع أو لجهالة الثمن .

التالي السابق


( قوله ومن باع عبدين بألف على أنه بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام فالبيع فاسد إلخ ، والمسألة على أربعة أوجه ) في ثلاثة البيع فاسد ، وفي واحدة صحيح ( أحدها أن لا يفصل الثمن ولا يعين الذي فيه الخيار ) وهي المذكورة في الجامع الصغير ، ويمكن أن يكون هو المراد بالكتاب في قوله ( وهو الوجه الأول ) المذكور ( في الكتاب ) والأظهر أنه يريد به البداية ; لأن الهداية شرحها ( وفسادها لجهالة المبيع والثمن ) جميعا ، وذلك أن الذي فيه الخيار لا ينعقد البيع فيه في حق الحكم فكان كأنه خارج عن البيع ، والبيع إنما هو في الآخر ، وهو مجهول لجهالة من فيه الخيار ، ثم ثمن المبيع مجهول ; لأن الثمن لا ينقسم في مثله على المبيع بالأجزاء . وثانيها ، وهو الوجه الجائز أن يعين كلا بأن يقول بعتك كل واحد من هذين بخمسمائة على أني بالخيار في هذا لانتفاء المفسد من جهالة أحد الأمرين . فإن قيل : إن انتفى مفسد الجهالة فقد يتحقق مفسد آخر وهو أنه جعل قبول العقد في الذي فيه الخيار ، وهو غير داخل في الحكم شرطا لانعقاده في الذي ليس فيه الخيار وذلك مفسد كما لو جمع بين حر وعبد ، وحيث لا يجوز البيع في العبد أجاب عنه المصنف [ ص: 324 ] بعد الإشارة إلى السؤال بقوله ( وقبول العقد في الذي فيه الخيار وإن كان شرطا لانعقاد العقد في الآخر لكن هذا غير مفسد للعقد لكونه ) أي من فيه الخيار ( محلا للبيع ) فهو ( كما لو جمع بين قن ومدبر ) وباعهما بألف حيث ينفذ البيع في القن بحصته وإن كان قبول العقد في المدبر شرطا فيه وذلك لدخول المدبر في البيع لمحليته له في الجملة ولهذا لو قضى القاضي بجواز بيعه جاز فكان القبول شرطا صحيحا ، بخلاف ما شبه به من الجمع بين الحر والعبد ; لأن الحر ليس بمال أصلا فلا يدخل في البيع بحال فكان اشتراط قبوله اشتراط شرط فاسد ، وفي الجمع بين القن والمدبر في البيع خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر البيع الفاسد . وثالثها يفصل ولم يعين الذي فيه الخيار كأن يقول البائع بعتك كل واحد من هذين بخمسمائة على أني بالخيار في أحدهما ففساده لجهالة المبيع بسبب جهالة من فيه الخيار ورابعها أن يعين الذي فيه الخيار ولا يفصل الثمن وهو أن يقول بعتك هذين بألف على أني بالخيار في هذا والفساد فيه لجهالة الثمن ; لأن المبيع وإن كان معلوما بتعين من فيه الخيار إلا أن ثمنه مجهول لما قلنا إن الثمن لا ينقسم عليهما بالسوية . فإن قلت : ما الفرق بين الذي لم يعين فيه الثمن وبين ما إذا جمع بين عبدين في البيع بثمن واحد فإذا أحدهما مدبر أو مكاتب أو جاريتين فإذا إحداهما أم ولد حيث يصح البيع في القن بحصته من جملة الثمن مع أن ثمن كل منهما مجهول الكمية حال العقد ولا يصح في المسألة المذكورة في الكتاب بالحصة ؟ أجيب بأن من مشايخنا من لم يشتغل بالفرق وقال : قياس ما ذكر هنا أن لا يجوز العقد في تلك المسائل في القن ويصير ما ذكر هنا رواية في تلك المسائل . ومنهم من اشتغل بالفرق وهو الصحيح وهو أن المانع من حكم العقد هنا مقترن بالعقد لفظا ومعنى ، [ ص: 325 ] فأثر الفساد ; لأن شرط الخيار يمنع الانعقاد في المشروط فيه فيكون كالمعدوم فلم ينعقد فيه ابتداء فينعقد في الآخر بالحصة ابتداء ، بخلاف تلك المسائل فإن المانع مقترن فيها معنى لا لفظا فيدخل المدبر ومن معه في البيع لما ذكرنا من محليتهم في الجملة ، ثم يخرجون بناء على استحقاقهم أنفسهم حكما شرعيا لم يتصل به حكم قاض يسقطه ، وعلى ما ذكر هنا يتفرع ما في فتاوى قاضي خان : باع عبدين على أنه بالخيار فيهما وقبضهما المشتري ثم مات أحدهما لا يجوز البيع في الباقي وإن تراضيا على إجازته ; لأن الإجازة حينئذ بمنزلة ابتداء العقد في الباقي بالحصة ; ولو قال البائع في هذه المسألة نقضت البيع في هذا أو في أحدهما كان لغوا كأنه لم يتكلم وخياره فيهما باق ، كما كان ، كما لو باع عبدا واحدا أو شرط الخيار لنفسه فنقض البيع في نصفه .




الخدمات العلمية