الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 342 ] ( قال : ومن نظر إلى وجه الصبرة ، أو إلى ظاهر الثوب مطويا أو إلى وجه الجارية أو إلى وجه الدابة وكفلها فلا خيار له ) والأصل في هذا أن رؤية جميع المبيع غير مشروط لتعذره فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود . [ ص: 343 ] ولو دخل في البيع أشياء ، فإن كان لا تتفاوت آحادها كالمكيل والموزون ، وعلامته أن يعرض بالنموذج يكتفي برؤية واحد منها إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى فحينئذ يكون له الخيار . وإن كان تتفاوت آحادها كالثياب والدواب لا بد من رؤية كل واحد منها ، والجوز والبيض من هذا القبيل فيما ذكره الكرخي ، وكان ينبغي أن يكون مثل الحنطة والشعير لكونها متقاربة . إذا ثبت هذا فنقول : النظر إلى وجه الصبرة كاف ; لأنه يعرف وصف البقية ; لأنه مكيل يعرض بالنموذج ، وكذا النظر إلى ظاهر الثوب مما يعلم به البقية إلا إذا كان في طيه ما يكون مقصودا كموضع العلم ، والوجه هو المقصود في الآدمي ، وهو والكفل في الدواب فيعتبر رؤية المقصود ولا يعتبر رؤية غيره . وشرط بعضهم رؤية القوائم .

والأول هو المروي عن أبي يوسف رحمه الله . [ ص: 344 ] وفي شاة اللحم لا بد من الجس لأن المقصود وهو اللحم يعرف به . وفي شاة القنية لا بد من رؤية الضرع . وفيما يطعم لا بد من الذوق لأن ذلك هو المعرف للمقصود .

التالي السابق


( قوله ومن نظر إلى وجه الصبرة أو إلى ظاهر الثوب مطويا أو إلى وجه الجارية إلخ ) والأصل في هذا أن رؤية جميع أجزاء ( المبيع غير مشروط ) في انتفاء ثبوت خيار الرؤية ( لتعذره ) عادة وشرعا ، وإلا لجاز أن ينظر إلى عورة العبد والأمة اللذين يريد أن يشتريهما ، ولزم في صحة بيع الصبرة النظر إلى كل حبة منها ، ولا قائل بذلك فيكتفي برؤية ما هو المقصود ، فإذا رآه جعل غير المرئي تبعا للمرئي ، فإذا سقط الخيار في الأصل سقط في التبع .

إذا عرف هذا انبنى عليه أن من نظر إلى وجه الجارية أو العبد ثم اشتراه فرأى الباقي فلا خيار له فليس له رده بخيار الرؤية ، بخلاف ما لو رأي بطنهما أو ظهرهما وسائر أعضائهما إلا الوجه فإن له الخيار إذا رأى وجههما ; لأن سائر الأعضاء في الإماء والعبيد تبع للوجه ولذا تتفاوت القيمة إذا فرض تفاوت الوجه مع تساوي سائر الأعضاء .

وفي الدواب يعتبر رؤية الوجه والكفل ; لأنهما المقصودان فيسقط برؤيتهما ولا [ ص: 343 ] يسقط برؤية غيرهما منها وهو المروي عن أبي يوسف . وقيل لا يسقط ما لم ير قوائمها . ونقل صاحب الأجناس عن المجرد عن أبي حنيفة في الدابة إذا رأى عنقها أو ساقها أو فخذها أو جنبها أو صدرها ليس له خيار الرؤية .

وإن رأى حوافرها أو ناصيتها فله الخيار . وعن محمد يكفي الوجه اعتبارا بالعبد .

وفي رواية المعلى عن أبي حنيفة : يعتبر في الدواب عرف التجار ( فإن دخل في البيع أشياء ، فإن كانت الآحاد لا تتفاوت كالمكيل والموزون ، وعلامته ) أي علامة ما لا يتفاوت آحاده ( أن يعرض بالنموذج فيكتفي برؤية واحد منها ) في سقوط الخيار ( إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى حينئذ يكون له الخيار ) يعني خيار العيب لا خيار الرؤية ذكره في الينابيع . وفي الكافي : إذا كان أردأ له الخيار ; لأنه إنما رضي بالصفة التي رآها لا بغيرها وهذا التعليل يفيد أنه خيار الرؤية وهو مقتضى سوق كلام المصنف .

والتحقيق أنه في بعض الصور خيار عيب ، وهو ما إذا كان اختلاف الباقي يوصله إلى حد العيب وخيار رؤية إذا كان الاختلاف لا يوصله إلى اسم المعيب بل الدون .

وقد يجتمعان فيما إذا اشترى ما لم يره فلم يقبضه حتى ذكر له البائع به عيبا ثم أراه المبيع في الحال ( وإن كان آحاده متفاوتة كالثياب والدواب والعبيد فلا بد من رؤية كل واحد لكن على الوجه الذي ذكرنا ) : أعني رؤية ما هو المقصود من كل واحد ( والجوز والبيض من هذا القبيل فيما ذكر الكرخي ) قال المصنف ( وكان ينبغي أن يكون مثل الحنطة والشعير لكونها متقاربة ) وبه صرح في المحيط وفي المجرد هو الأصح . ثم السقوط برؤية البعض في المكيل إذا كان في وعاء واحد ، أما إذا كان في وعاءين أو أكثر اختلفوا ، فمشايخ العراق على أن رؤية أحدهما كرؤية الكل ، ومشايخ بلخ لا يكفي بل لا بد من رؤية كل وعاء ، والصحيح أنه يبطل برؤية البعض ; لأنه يعرف حال الباقي ، هذا إذا ظهر له أن ما في الوعاء الآخر مثله أو أجود ، أما إذا كان أردأ فهو على خياره ، وإن كان مما يتفاوت آحاده كالبطيخ والرمان فلا يكفي رؤية بعضها في سقوط خياره في الباقي ، ولو قال رضيت وأسقطت خياري ، وفي شراء الرحى [ ص: 344 ] بآلاته لا بد من رؤية الكل ، وكذا السرج بأداته ولبده لا بد من رؤية الكل ( وفي شاة اللحم لا بد من الجس ) باليد فلا يكتفى بالرؤية ما لم يجسها ( لأن المقصود اللحم ، وفي شاة القنية لا بد من رؤية الضرع ، وفيما يطعم لا بد من الذوق ; لأن ذلك هو المعرف للمقصود ) فلا يسقط الخيار بدون ذلك .

وكذا إذا رأى وجه الثوب مطويا ; لأن البادي يعرف ما في الطي ، فلو شرط فتحه لتضرر البائع بتكسر ثوبه ونقصان بهجته وبذلك ينقص ثمنه عليه ، اللهم إلا أن يكون له وجهان فلا بد من رؤية كلا الوجهين ، أو يكون في طيه ما يقصد بالرؤية كالعلم . ثم قيل : هذا في عرفهم ، أما في عرفنا فما لم ير باطن الثوب لا يسقط خياره ; لأنه استقر اختلاف الباطن والظاهر في الثياب وهو قول زفر .

وفي المبسوط : الجواب على قول زفر ، وفي البساط : لا بد من رؤية جميعه ، ولو نظر إلى ظهور المكاعب لا يبطل خياره ، ولو نظر إلى وجهها دون الصرم يبطل . قيل : وينبغي أن ينظر إلى الصرم في زماننا لتفاوته وكونه مقصودا .

وفي الجبة لا يبطل خياره برؤية باطنها ويبطل برؤية ظاهرها إلا إذا كانت البطانة مقصودة بأن كان فيها فرو ، وأما الوسادة المحشوة إذا رأى ظاهرها ، فإن كانت محشوة مما يحشى بها مثلها يبطل خياره ، وإن كان ممن لا يحشى به مثلها فله الخيار ، هذا إذا كان المبيع واحدا




الخدمات العلمية