الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 220 ] قال ( وإذا صح الوقف لم يجز بيعه ولا تمليكه ، إلا أن يكون مشاعا عند أبي يوسف فيطلب الشريك القسمة فيصح مقاسمته ) أما امتناع التمليك فلما بينا . وأما جواز القسمة فلأنها تمييز وإفراز ، غاية الأمر أن الغالب في غير المكيل والموزون معنى المبادلة ، إلا أن في الوقف جعلنا الغالب معنى الإفراز نظرا للوقف فلم تكن بيعا وتمليكا ; ثم إن وقف نصيبه من عقار مشترك فهو الذي يقاسم شريكه ; لأن الولاية للواقف وبعد الموت إلى وصية ، وإن وقف نصف عقار خالص له فالذي يقاسمه القاضي أو يبيع نصيبه الباقي من رجل ، ثم يقاسمه المشتري ثم يشتري ذلك منه [ ص: 221 ] لأن الواحد لا يجوز أن يكون مقاسما ومقاسما ، ولو كان في القسمة فضل دراهم إن أعطى الواقف لا يجوز لامتناع بيع الوقف ، وإن أعطى الواقف جاز ويكون بقدر الدراهم شراء

التالي السابق


( قوله وإذا صح الوقف ) أي لزم ، وهذا يؤيد ما قدمناه في قول القدوري وإذا صح الوقف خرج عن ملك الواقف . ثم قوله ( لم يجز بيعه ولا تمليكه ) هو بإجماع الفقهاء ( إلا أن يكون مشاعا فيطلب شريكه القسمة عند أبي يوسف فتصح مقاسمته ، أما امتناع التمليك فلما بينا ) من قوله عليه الصلاة والسلام { تصدق بأصلها لا يباع ولا يورث ولا يوهب } ومن المعنى وهو أن الحاجة ماسة إلى آخره ، ولأنه باللزوم خرج عن ملك الواقف وبلا ملك لا يتمكن من البيع ( وأما جواز القسمة ) أي عندهما ، فإن على قول أبي حنيفة لا يجوز وإن قضى القاضي بصحة وقف المشاع لأنها مبادلة ، ومعنى المبادلة هو الراجح في غير المثليات ( فلأنها تمييز ) معنى ( وإفراز غاية الأمر أن الغالب في غير المكيل والموزون معنى المبادلة ، إلا أن في الوقف جعلنا الغالب معنى الإفراز نظرا للوقف فلم تكن بيعا وتمليكا ، ثم إن وقف نصيبه من عقار مشترك فهو الذي يقاسم شريكه لأن الولاية للواقف ) عند أبي يوسف ، ووقف المشاع إنما يجوز على قوله ( و ) لو طلب الشريك القسمة ( بعد موته ) فالقسمة ( إلى وصيه ، وإن وقف نصف عقار خالص له ف ) للقسمة طريقان : أحدهما أن ( يقاسمه القاضي ) بأن يرفع الأمر إليه ، ويطلب منه القسمة فيأمر رجلا أن يقاسمه ( الثاني أن يبيع نصيبه الباقي من رجل ثم يقاسم المشتري ثم يشتري ذلك منه ) [ ص: 221 ] إن أحب ، وهذا ( لأن الواحد لا يصلح أن يكون مقاسما ومقاسما ، ولو كان في القسمة فضل دراهم ) بأن كان أحد النصفين أجود من الآخر فجعل بإزاء الجودة دراهم ، فإن كان الآخذ للدراهم هو الواقف بأن كان النصف الذي هو غير الوقف هو الأحسن لا يجوز ; لأنه يصير بائعا بعض الوقف وبيع الوقف لا يجوز ، وإن كان الآخذ شريكه بأن كان النصيب الوقف أحسن جاز ; لأن الواقف مشتر لا بائع فكأنه اشترى بعض نصيب شريكه فوقفه .

فقوله ( إن أعطى الواقف لا يجوز ) يصح على بنائه للمفعول ورفع الواقف ، ويصح على بنائه للفاعل ونصب الواقف ; لأن المعنى فيهما أنه أخذ الدراهم .

واعلم أن عدم جواز البيع في غير القسمة فيما إذا كان قائما عامرا ، أما إذا تهدم ولا حاصل له يعمر به فيجوز ; لأنه رجع إلى ملك الواقف إن كان حيا ، وإلى ورثته إن كان ميتا . وقال الصدر الشهيد : في جنس هذه المسائل نظر : يعني لأن الوقف بعدما خرج إلى الله تعالى لا يعود إلى ملك الواقف ، وأنت تعلم أن قول محمد برجوعه إلى ملك الواقف أولى من قوله في المسجد ; لأن خلوصه لله تعالى أقوى من غيره من الأوقاف ، ولأن ذلك بشرط الفائدة ، وقد تحقق انتفاؤها إذا لم يكن له ريع يعاد به ولا يوجد من يستأجره فيعمره ، ومن ذلك حانوت احترق في السوق وصار بحيث لا ينتفع به ولا يستأجر ألبتة ، وحوض محلة خرب وصار بحيث لا تمكن عمارته فهو للواقف ولورثته ، فإن كان واقفه وورثته لا تعرف فهو لقطة كذا في الخلاصة .

زاد في فتاوى الخاصي : إذا كان كاللقطة يتصدقون به على فقير ثم يبيعه الفقير فينتفع بثمنه ، وعلى هذا فإنما يصير لبيت المال إذا عرف الواقف وعرف موته وانقراض عقبه . وروي عن محمد : إذا ضعفت الأرض عن الاستغلال ويجد القيم بثمنها أخرى هي أكثر ريعا كان له أن يبيعها ويشتري بثمنها ما هو أكثر ريعا . وأما قول طائفة من المشايخ فيما إذا خاف المتولي على الوقف من وارث أو سلطان يغلب عليه . قال في النوازل : يبيعها ويتصدق بثمنها . قال : وكذا كل قيم خاف شيئا من ذلك . قالوا : فالفتوى على خلافه لأن الوقف بعد ما صح بشرائطه لا يحتمل البيع ، وهذا هو الصحيح حتى ذكر في شجرة جوز وقف في دار وقف خربت الدار لا تباع الشجرة لعمارة الدار بل تكرى الدار ، ويستعان بنفس الجوز على العمارة ، ثم إذا جاز بيع الأشجار الموقوفة لا يجوز قبل القطع بل بعده ، هكذا عن الفضلي في الأشجار المثمرة ، وفي غير المثمرة قال : يجوز قبل القلع لأنها هي الغلة ، وبناء الوقف والنبات لا يجوز قبل الهدم والقلع كالمثمرة كذا قبل . والوجه يقتضي إذا تعين البيع كونه قبل الهدم دفعا لزيادة مؤنة الهدم ، إلا أن تزيد القيمة بالهدم . وفي زيادات أبي بكر بن حامد : أجمع العلماء على جواز بيع بناء الوقف وحصيره إذا استغنوا عنه




الخدمات العلمية