الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن باع دارا بيعا فاسدا فبناها المشتري فعليه قيمتها ) عند أبي حنيفة رحمه الله ، ورواه يعقوب عنه في الجامع الصغير ثم شك بعد ذلك في الرواية . [ ص: 471 ] ( وقالا : ينقض البناء وترد الدار ) والغرس على هذا الاختلاف .

لهما أن حق الشفيع أضعف من حق البائع حتى يحتاج فيه إلى القضاء ويبطل بالتأخير ، بخلاف حق البائع ، ثم أضعف الحقين لا يبطل بالبناء فأقواهما أولى ، وله أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام وقد حصل بتسليط من جهة البائع فينقطع حق الاسترداد كالبيع ، بخلاف حق الشفيع ; لأنه لم يوجد منه التسليط ولهذا لا يبطل بهبة المشتري وبيعه فكذا ببنائه [ ص: 472 ] وشك يعقوب في حفظ الرواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه ، وقد نص محمد على الاختلاف في كتاب الشفعة فإن حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوته على الاختلاف .

التالي السابق


( قوله ومن باع دارا بيعا فاسدا فبناها المشتري ) أو غرس فيها أشجارا ( فعليه قيمتها ) وانقطع حق البائع في استردادها بالبناء والغرس [ ص: 471 ] وقال أبو يوسف ومحمد ينقض البناء ) ويقلع الغرس ( وتسترد الدار . لهما أن حق الشفيع ) في الدار التي يستحق فيها الشفعة ( أضعف من حق البائع ) بيعا فاسدا في الاسترداد بدليل أنه ( يحتاج ) في ثبوت الملك له في الدار ( إلى القضاء ويبطل بالتأخير ) بعد العلم ولا يورث .

وحق هذا البائع في الاسترداد لا يتوقف على قضاء ولا يبطل بالتأخير ويثبت لورثته ( و ) الاتفاق على أن ( حق الشفعة الأضعف لا يبطل البناء ) والغرس ( فأقواهما ) وهو حق البائع ( أولى ) أن لا يبطل بهما فيثبت بدلالة ثبوته ( ولأبي حنيفة أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام وقد حصل بتسليط البائع فينقطع ) به ( حق الاسترداد كالبيع ) والهبة ( بخلاف حق الشفيع فإنه ) وإن كان أضعف ( لم يوجد ) ما يبطله وهو تسليطه على الفعل : أعني البناء فيعمل بمقتضاه وهو النقض والقلع ( ولهذا لا يبطل بالبيع والهبة ) أيضا [ ص: 472 ] بل يأخذها من يد المشتري الثاني بالشفعة ; لأن البيع ليس بتسليط منه .

وهذه المسألة من المسائل التي أنكر فيها أبو يوسف الرواية لمحمد على الوجه المذكور في الجامع ; فقول المصنف ( وشك يعقوب رحمه الله في حفظ الرواية عن أبي حنيفة ) بذلك ، قالوا إنه شك في حفظ الرواية عنه لا في مذهبه : يعني أن مذهبه معروف أنه لا ينقض البناء ولكن تجب القيمة على المشتري ( فإن محمدا نص على ) هذا ( الاختلاف في كتاب الشفعة ) فإنه قال : إذا بنى في الدار المشتراة شراء فاسدا فللشفيع الشفعة عند أبي حنيفة رحمه الله ، وعندهما لا شفعة ، فهذا دليل على أن الرواية عن أبي حنيفة ثابتة ; لأن حق الشفعة في الدار المبيع بيعا فاسدا مبني على انقطاع حق البائع في الاسترداد ، فلولا قوله بانقطاع حق الاسترداد بالبناء لم يوجب الشفعة فيها ، غير أن حكاية شمس الأئمة قول أبي يوسف لمحمد ما رويت لك عن أبي حنيفة أنه يأخذ قيمتها وإنما رويت لك أنه ينقض البناء فقال بل رويت لي أنه يأخذ قيمتها صريح في الإنكار لا في الشك ، وصريح في أنه ينقل عن أبي حنيفة ما يوافق مذهبهما وعدم الخلاف . وقول المصنف ( فإن حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوته على الاختلاف ) معناه أن حق الشفعة وجودا وعدما مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وجودا وعدما ، فوجوده مبني على عدمه وعدمه مبني على وجوده ، وعلى هذا فثبوته على الاختلاف بالجر .

وجماعة من الشارحين قالوا : وثبوته بالرفع مبتدأ وعلى الاختلاف خبره ، وهو عطف على مبني والمعنى : ثبوت حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوت حق الشفعة على الخلاف ، فعنده يثبت حق الشفعة فهو قائل بأنه ينقطع ، وعندهما لا يثبت حق الشفعة فيثبت حق الاسترداد ، والأقرب أن الأوجه ثبوته بثبوت انقطاع حق البائع في الاسترداد ، والمعنى حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء [ ص: 473 ] وثبوت انقطاعه به على الخلاف عندهما لا ينقطع فله القلع والهدم ، وعنده ينقطع فلا يسترد .

واتفقت الروايات أن طلب حق الشفعة في البيع الفاسد يعتبر وقت انقطاع حق البائع لا وقت الشراء . وأورد على أبي حنيفة لما وجب نقضهما لحق الشفيع وفيه تقرير للفساد فأولى أن يجب نقضهما لحق البائع وهو أقوى وفيه إعدام الفساد . أجيب بمنع الملازمة ، فإن البائع جان ولا جناية من الشفيع فلا يلزم من النقض لأجل من لا جناية منه النقض لمن جنى . فإن قيل : إذا نقض البناء والغرس لأجل الشفيع ينبغي أن يعود حق البائع في الاسترداد ، كما إذا فسخ البيع عن العبد . أجيب بأن المانع من الاسترداد إنما يزول بعد ملك الشفيع فيثبت حق نقض البناء والغرس حكما لملكه .

هذا وقولهما أوجه ; لأن قول أبي حنيفة : إن البناء مما يقصد به الدوام يمنع الاتفاق في الإجارة على إيجاب القلع ، فظهر أنه قد يراد للبقاء وقد لا ، فإن قال المستأجر يعلم أنه يكلف القلع ففعله مع ذلك دليل على أنه لم يرد البقاء ، قلنا : المشتري شراء فاسدا أيضا يكلف القلع عندنا ، وقولكم لا يلزم ذلك محل النزاع فأقل الأمر أن يعلم الخلاف ، ويجوز أن يكلف النقض ففعله مع ذلك دليل قصده عدم البقاء إلا مدة ما .

وأما تعليل بعضهم له بأنه اتصل به حق العبد فصار كالبيع فبعيد عن الصواب ; لأن ذلك فيما إذا كان العبد عبدا آخر اشتراه ممن اشتراه شراء فاسدا أو قبل الهبة فيه بطريق صحيح ، وما نحن فيه نفس العاقد الجاني بعقده هو الذي بنى فلا يستحق بجنايته .

وفعله المقرر لمعصيته أن يقطع حق القاصد للتوبة وهو في الحقيقة حق الله تعالى ، بخلاف ما إذا اتصل به حق من لا جناية منه فإنه جل وعلا أذن في تقديم حقه




الخدمات العلمية