الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( فإن التقطه رجل لم يكن لغيره أن يأخذه منه ) ; لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده ( فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله ) . [ ص: 112 ] معناه : إذا لم يدع الملتقط نسبه وهذا استحسان . والقياس أن لا يقبل قوله ; لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط . وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه ; لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه . ثم قيل يصح في حقه دون إبطال يد الملتقط . وقيل يبتنى عليه بطلان يده ، ولو ادعاه الملتقط قيل يصح قياسا واستحسانا ، والأصح أنه على القياس والاستحسان وقد عرف في الأصل .

التالي السابق


( قوله فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله : ) ويثبت نسبه منه بمجرد دعواه ، ولو كان ذميا . قال المصنف ( معناه [ ص: 112 ] إذا لم يدع الملتقط نسبه ) يعني سابقا على دعوى المدعي أو مقارنا . أما إذا ادعياه على التعاقب فالسابق من الملتقط والخارج أولى ، وإن ادعياه معا فالملتقط أولى ولو كان ذميا والخارج مسلما لاستوائهما في الدعوى ولأحدهما يد فكان صاحب اليد أولى وهو الذمي . ويحكم بإسلام الولد ، ثم ثبوت النسب بمجرد دعوى الخارج استحسانا .

والقياس أن لا يثبت إلا ببينة ; لأنه يتضمن إبطال حق ثابت بمجرد دعواه ، وهو حق الحفظ الثابت للملتقط وحق الولاء الثابت لعامة المسلمين ( وجه الاستحسان أنه إقرار الصبي بما ينفعه ; لأنه يتشرف بالنسب ) ويتأذى بانقطاعه ، إذ يعير به ويحصل له من يقوم بتربيته ومؤنته راغبا في ذلك غير ممتن به . ويد الملتقط ما اعتبرت إلا بحصول مصلحته هذه لا لذاتها ولا لاستحقاق ملك ، وهذا مع زيادة ما ذكرنا حاصل بهذه الدعوى فيقدم عليه ، ثم يثبت بطلان يد الملتقط ضمنا مترتبا على وجوب إيصال هذا النفع إليه ; لأن الأب أحق بكونه في يده من الأجنبي ، وصار كشهادة القابلة على الولادة تصح ، ثم يترتب عليها استحقاق الميراث ، ولو شهدت عليه ابتداء لم يصح .

وكثير من المشايخ لا يذكرون غير هذا ، وذكر بعضهم أن عند البعض يثبت نسبه من المدعي ويكون في يد الملتقط للجمع بين منفعتي الولد والملتقط وليس بشيء . وأما ثبوت النسب في دعوى ذي اليد ( فقيل يصح قياسا واستحسانا ) أي ليس فيه قياس مخالف ، والصحيح أنهما أيضا فيه إلا أن وجه القياس فيه غيره في دعوى الخارج ، فإن ذلك هو استلزامه إبطال حق بمجرد دعواه ، وهنا هو استلزامه التناقض ; لأنه لما ادعى أنه لقطة كان نافيا نسبه ، فلما ادعاه تناقض . وجه الاستحسان فيه ما قدمناه ، والتناقض لا يضر في دعوى النسب ; لأنه مما يخفى ثم يظهر ، وهذا معنى ما في الأصل الذي أحال المصنف عليه .




الخدمات العلمية