الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن اشترى عبدين صفقة واحدة فقبض أحدهما ووجد بالآخر عيبا فإنه يأخذهما أو يدعهما ) ; لأن الصفقة تتم بقبضهما فيكون تفريقها قبل التمام وقد ذكرناه ، وهذا ; لأن القبض له شبه بالعقد فالتفريق فيه كالتفريق في العقد [ ص: 387 ] ولو وجد بالمقبوض عيبا اختلفوا فيه . ويروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه يرده خاصة ، والأصح أنه يأخذهما أو يردهما ; لأن تمام الصفقة تعلق بقبض المبيع وهو اسم للكل فصار كحبس المبيع لما تعلق زواله باستيفاء الثمن لا يزول دون قبض جميعه ( ولو قبضهما ثم وجد ) بأحدهما عيبا يرده خاصة خلافا لزفر . هو يقول : فيه تفريق الصفقة ولا يعرى عن ضرر ; لأن العادة جرت بضم الجيد إلى الرديء فأشبه ما قبل القبض وخيار الرؤية والشرط . ولنا أنه تفريق الصفقة بعد التمام ; لأن بالقبض تتم الصفقة في خيار العيب وفي خيار الرؤية والشرط لا تتم به على ما مر [ ص: 388 ] ولهذا لو استحق أحدهما ليس له أن يرد الآخر . .

التالي السابق


قوله ومن اشترى عبدين ( أو ثوبين صفقة واحدة وقبض أحدهما ووجد بالآخر ) الذي لم يقبض ( عيبا فإنه بالخيار ) إن شاء أخذهما بجميع الثمن ، وإن شاء ردهما ، وليس له أن يأخذ السليم ويرد المعيب بحصته من الثمن في هذه الصورة ( لأن الصفقة إنما تتم بقبضهما ) ; لأنها إنما تتم بقبض المبيع ، ولم يوجد ( فيكون رد أحدهما وحده ) تفريقا للصفقة قبل التمام ، ( وهذا ) أي كون رد أحدهما بعد قبض أحدهما فقط تفريقا للصفقة قبل تمامها بناء على أن تفريقها قبل القبض كتفريقها في نفس العقد فيما إذا قال : بعتكهما بألف فقال : قبلت في هذا بخمسمائة ، وإنما كان كذلك ( لأن القبض له شبه بالعقد ) ; لأنه يثبت ملك التصرف كما يثبت العقد ملك الرقبة ; ولأنه أعني القبض مؤكد لما أثبته العقد ، حتى أن الشهود بالطلاق قبل الدخول إذا رجعوا يضمنون نصف المهر ; لأنه كان على شرف الزوال بتمكينها ابن الزوج ونحوه ، فالشهود بشهادتهم أكدوا لزومه وحققوه وما قبل في تمامه ، وحكم المشبه حكم المشبه به ، فإن الصلاة للنار وعلى النجاسة حرام ، ولو صلى وبين يديه نار وبقربه نجاسة كان مكروها ليس تمثيلا صحيحا فإن الثابت الكراهة ، وإنما يكون حكمه حكمه لو ثبتت الحرمة .

[ ص: 387 ] هذا إذا كان العيب في غير المقبوض ( فإن وجد العيب في المقبوض اختلفوا فيه ، يروى عن أبي يوسف أنه يرده خاصة ) ; لأن الصفقة تامة في المقبوض ( والصحيح أنه يأخذهما أو يردهما ; لأن تمام الصفقة تعلق بقبض المبيع وهو اسم لكله ) فما لم يقبض الكل لا تتم فيكون تفريقا قبل التمام ( وصار تمام الصفقة كحبس البيع لما تعلق زواله باستيفاء الثمن لا يزول ) الحبس ( دون قبض جميعه ) حتى لو بقي من الثمن درهم كان له أن يمنع المبيع عليه ، ولو قال المشتري : أنا أمسك المعيب وآخذ النقصان ليس له ذلك ( ف ) أما ( لو ) كان ( قبضهما ) أعني العبدين ( ثم وجد بأحدهما عيبا ) فإن له أن ( يرده خاصة خلافا لزفر ، هو يقول : فيه ) أي في رده وحده ( تفريق الصفقة ، ولا يعرى عن ضرر ; لأن العادة ضم الجيد إلى الرديء ) لترويج الرديء ، وفي إلزامه المعيب وحده إلزام هذا الضرر فاستوى ما قبل قبضهما وما بعده في تحقق المانع من رده وحده ( وأشبه خيار الشرط والرؤية ) في أن الصفقة لا تتم إذا كان فيها أحد الخيارين هكذا ذكر خلاف زفر في المبسوط وغيره ، وقال القدوري في التقريب : قال أصحابنا ; إذا اشترى عبدين صفقة فوجد بأحدهما عيبا بعد القبض رده خاصة ، وإن كان قبل القبض ردهما ، وقال زفر : يرد المعيب في الوجهين ; لأن العقد صح فيهما والعيب وجد بأحدهما فصار كما بعد القبض ، وذكر صاحب المختلف والمنظومة مثل ما ذكر القدوري على خلاف ما ذكر المصنف وشمس الأئمة وهو محمول على اختلاف الرواية عن زفر ( ولنا أنه تفريق الصفقة بعد التمام ; لأن بالقبض يتم في خيار العيب ، بخلاف خيار الرؤية والشرط ) والتفريق بعد التمام جائز شرعا .

[ ص: 388 ] بدليل أنه ( لو استحق أحدهما ) بعد القبض ( ليس له أن يرد الآخر ) بل يرجع بحصة المستحق على البائع مع أنه تفريق الصفقة على المشتري ، والضرر الذي لزم البائع جاء من تدليسه لما قدمنا من أن الظاهر أن البائع عالم بحال المبيع وصار كما لو سمى لكل واحد ثمنا أو شرط الخيار في أحدهما لنفسه ، ثم هذا فيما يمكن إفراد أحدهما دون الآخر في الانتفاع كالعبدين ، أما إذا لم يكن في العادة كنعلين أو خفين أو مصراعي باب فوجد بأحدهما عيبا ، فإنه يردهما أو يمسكهما بالإجماع ; لأنهما في المعنى والمنفعة كشيء واحد ، والمعتبر هو المعنى ، وفي الإيضاح والفوائد الظهيرية : ولهذا قال مشايخنا لو اشترى زوجي ثور وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا وقد ألف أحدهما الآخر بحيث لا يعمل دونه لا يملك رد المعيب خاصة ، .




الخدمات العلمية