الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ونفقته في بيت المال ) هو المروي عن عمر وعلي [ ص: 111 ] ولأنه مسلم عاجز عن التكسب ، ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد الذي لا مال له ولا قرابة ; ولأن ميراثه لبيت المال ، والخراج بالضمان ولهذا كانت جنايته فيه . والملتقط متبرع في الإنفاق عليه ; لعدم الولاية إلا أن يأمره القاضي به ليكون دينا عليه لعموم الولاية .

التالي السابق


( قوله : ونفقته في بيت المال ) أي إذا لم يكن له مال ، وهذا بلا خلاف . وأصله ما روى مالك في الموطإ عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمن عمر بن الخطاب قال : فجئت به إلى عمر فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ فقال : وجدتها ضائعة فأخذتها ، فقال له عريفه : يا أمير المؤمنين ؟ إنه رجل صالح ، قال كذلك ؟ قال نعم ، قال اذهب به فهو حر وعلينا نفقته . وعن مالك رواه الشافعي في مسنده . وقال البيهقي : وغير الشافعي يرويه عن مالك ويقول فيه : وعلينا نفقته من بيت المال انتهى .

وكذلك رواه عبد الرزاق قال : أنبأنا مالك عن ابن شهاب : حدثني أبو جميلة أنه وجد منبوذا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتاه به فاتهمه عمر رضي الله عنه ، فأثني عليه خيرا ، فقال عمر رضي الله عنه : هو حر وولاءه لك ونفقته من بيت المال . وتهمة عمر دل عليها ما في رواية محمد عنه في حديث أبي جميلة أنه قال له : عسى الغوير أبؤسا ، وهو مثل لما يكون ظاهره خلاف باطنه . وأول من قالته الزباء . وما قيل فيه دليل على أن الملتقط ينبغي أن يأتي به إلى الإمام أولا ليس بلازم . نعم ما لم يتبرع بالإنفاق وقصد أن ينفق عليه من بيت المال كما فعل أبو جميلة يحتاج أن يأتي به إليه ، وإذا جاء به إلى الإمام لا يصدقه فيخرج من بيت المال نفقته إلا أن يقيم بينة على الالتقاط ; لأنه عساه ابنه ولذا قال عمر رضي الله عنه : عسى الغوير أبؤسا .

والوجه أنه لا يتوقف على البينة إلى ما يرجح صدقه ; ألا ترى أن عمر لما قال عريفه إنه رجل [ ص: 111 ] صالح أنفق عليه ، فإن هذه البينة ليست على أوضاع البينات فإنها لم تقم على خصم حاضر ، وإنما كانت ليترجح صدقه في إخباره بالالتقاط ، ولذا قال في المبسوط : هذه لكشف الحال والبينة لكشف الحال مقبولة وإن لم تكن على خصم .

قال الواقدي : وحدثني محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر إذا أتي بلقيط فرض له ما يصلحه رزقا يأخذه وليه كل شهر ويوصي به خيرا ، ويجعل رضاعه في بيت المال ونفقته .

وروى عبد الرزاق ، حدثنا سفيان الثوري عن زهير بن أبي ثابت بن ذهل بن أوس عن تميم أنه وجد لقيطا فأتى به إلى علي رضي الله عنه فألحقه علي على ماله ( ولأنه مسلم عاجز عن الكسب ولا مال له ولا قرابة ) أغنياء لتجب نفقته عليهم فكانت في بيت المال كالمقعد الذي لا مال له ; ولأن ميراثه لبيت المال ( والخراج بالضمان ) أي لبيت المال غنمه : أي ميراثه ودينه ، حتى لو وجد اللقيط قتيلا في محلة كانت على أهل تلك المحلة ديته لبيت المال وعليهم القسامة ، وكذا إذا قتله الملتقط أو غيره خطأ فالدية على عاقلته لبيت المال ، ولو قتله عمدا فالخيار إلى الإمام على ما تقدم في مثله فعليه غرمه ( ولهذا كانت جنايته في بيت المال ) وبدأ محمد رحمه الله بحديث الحسن البصري أن رجلا التقط لقيطا فأتى به عليا رضي الله عنه فقال : هو حر ، ولأن أكون وليت من أمره مثل الذي وليت منه أحب إلي من كذا وكذا . فحرض على ذلك ولم يأخذه منه بالولاية العامة ، وهي الإمامة ; لأنه لا ينبغي للإمام أن يأخذه من الملتقط إلا بسبب يوجب ذلك ; لأن يده سبقت إليه فهو أحق به . ( قوله : والملتقط متبرع بالإنفاق عليه لعدم ولايته ) على أن يلحقه الدين ; ليرجع عليه إذا كبر واكتسب ( إلا أن يأمره القاضي به ليكون دينا عليه ) يعني بهذا القيد بأن يقول : أنفق عليه ويكون ذلك دينا عليه . وظاهر الحصر المذكور في قوله إلا أن يأمره إلى آخره يفيد أنه لو أمره ولم يقل ليكون دينا عليه لا يرجع بما أنفق ، وهو كذلك في الأصح ; لأن مطلق الأمر بالإنفاق إنما يوجب ظاهرا ترغيبه في إتمام الاحتساب وتحصيل الثواب . وقيل يوجب له الرجوع ; لأن أمر القاضي كأمر اللقيط بنفسه إذا كان كبيرا ( لعموم ولاية القاضي ) فإذا أنفق بالأمر الذي يصيره دينا عليه فبلغ فادعى أنه أنفق عليه كذا فإن صدقه اللقيط رجع به ، وإن كذبه فالقول قول اللقيط وعلى الملتقط البينة .




الخدمات العلمية