الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا أبق عبد لمسلم فدخل إليهم فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة ، وقالا يملكونه ) ; لأن العصمة لحق المالك لقيام يده وقد زالت ، ولهذا لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه . وله أنه ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا ; لأن سقوط اعتباره لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من الانتفاع وقد زالت يد المولى فظهرت يده على نفسه [ ص: 12 ] وصار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للملك ، بخلاف المتردد ; لأن يد المولى باقية عليه لقيام يد أهل الدار فمنع ظهور يده . وإذا لم يثبت الملك لهم عند أبي حنيفة يأخذه المالك القديم بغير شيء موهوبا كان أو مشترى أو مغنوما قبل القسمة وبعد القسمة يؤدى عوضه من بيت المال ; لأنه لا يمكن إعادة القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم [ ص: 13 ] وليس له على المالك جعل الآبق ; لأنه عامل لنفسه إذ في زعمه أنه ملكه .

التالي السابق


( قوله : وإذا أبق عبد لمسلم ) أو ذمي وهو مسلم ( ودخل إليهم ) دار الحرب ( فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة ، وقالا يملكونه ) وبه قال مالك وأحمد ; لتحقق الاستيلاء على مال قابل للتملك محرز بدار الحرب وبه يتم الملك لهم ، وهذا ( لسقوط عصمته ; لأنها لحق المالك وقد زالت ) وصار كما لو ندت إليهم دابة : أي شردت من باب ضرب إلا أن مصدره جاء ندودا كما جاء على ندا القياسي ، وكما لو أخذوا العبد الآبق أو غير الآبق من دارنا إذا أحرزوه حيث يملكونه فكذا هذا .

( ولأبي حنيفة رحمه الله أن العبد ظهرت يده على نفسه ) وهذا ; لأنه آدمي مكلف فله يد على نفسه ، ولهذا لو اشترى نفسه لغيره من مولاه لم يكن لمولاه حبسه بالثمن ; لأنه صار مقبوضا بمجرد عقده ، وإنما سقط اعتبار يده ( لتحقق يد المولى عليه تمكينا للمولى من الانتفاع ، وقد زالت يد المولى ) بمجرد دخوله دار الحرب ( فظهرت يد العبد على نفسه ) سابقة على يد أهل الحرب ; لأن أخذهم [ ص: 12 ] إياه لا بد أن يتراخى لحظة عن دخوله ، وإذا سبقت يده يدهم ( صار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للتملك ، بخلاف الآبق المتردد ) في دارنا إذا أخذوه ( لأن يد المولى قائمة عليه ) ما دام في دار الإسلام حكما ( لقيام يد أهل الدار ) فيمكنه الاستعانة على وجوده فالاقتدار باق ( فمنع ظهور يده ) على نفسه .

ولا كذلك المأذون في الدخول ; لأن دخوله بإذنه وهو على عزم العود إليه ، وبخلاف الدابة التي ندت فإنه لا يد لها على نفسها ، والضمير في قول المصنف ; لأن سقوط اعتباره لليد ، وكان الواجب أن يقول اعتبارها ; لأن اليد مؤنثة وقد يعاد على الظهور أي سقوط اعتبار ظهوره ( وإذا لم يثبت لهم ملك فيه يأخذه المالك القديم بغير شيء سواء كان موهوبا ) منهم للذي أخرجه إلى دار الإسلام ( أو مشترى ) منهم ( أو مغنوما قبل القسمة وبعدها ) إلا أنه إذا أخذه بعد القسمة ( يؤدي ) الإمام ( عوضه من بيت المال ) للمأخوذ منه ( لأنه لا يمكن إعادة القسمة ; لتفرق الغانمين ، وتعذر اجتماعهم ) وتفرق المال في أيديهم ، وأيدي غيرهم بتصرفهم وفيه ما لا يخفى من الحرج ، وبيت المال معد لنوائب المسلمين ، وهذا من نوائبهم ; ولأنه لو فضل من الغنيمة شيء يتعذر قسمته كلؤلؤة توضع في بيت المال ، فإذا لحق غرامة كان فيه ، ولا يعطى المشتري شيئا إذا كان اشتراه بغير إذن المولى .

فإن اشتراه بإذنه رجع عليه بما اشتراه به . وعندهما يأخذه بالثمن في المشتري وبالقيمة في الموهوب كما في المأسور غير الآبق . وإنما قيدنا أول المسألة بكون العبد مسلما ; لأنه لو ارتد فأبق إليهم فأخذوه ملكوه اتفاقا ، ولو كان كافرا من الأصل فهو ذمي تبعا لمولاه ، وفي العبد [ ص: 13 ] الذمي إذا أبق قولان ذكره في طريقه مجد الأئمة ( قوله : وليس له ) أي الغازي أو التاجر ( جعل الآبق ) ; لأن استحقاقه إذا أخذه ; ليرده فيكون عاملا له وهاهنا إنما هو عامل لنفسه .




الخدمات العلمية