الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 446 ] ولكل النظر للعورة .

التالي السابق


( و ) يجوز ( لكل ) أي من العدول الأربعة الذين أرادوا الشهادة بالزنا أو اللواط ( النظر للعورة ) أي لقصد التحمل فلا تبطل شهادتهم بتعمده ، ويجب أن يقيد بكونهم أربعة وإلا فلا يجوز ، وجاز لهم نظرها هنا مع أنه لا يجوز إلا لحاجة لئلا تتعطل هذه الشهادة غالبا فتكثر الفاحشة . ابن عرفة فيها قيل فإن شهد أربعة على رجل وامرأة وقالوا تعمدنا النظر إليهما لتثبت الشهادة ، قال كيف يشهدون إلا هكذا ، وناقضها ابن هارون بعدم إجازته في اختلاف الزوجين في عيب الفرج نظر النساء إليه ليشهدن بما يرين من ذلك ، وكذا إذا اختلفا في الإصابة وهي بكر ، قال تصدق ولا ينظرها النساء ، قال والفرق بين ذلك مشكل . وقال في كتاب الخيار إن نظر المبتاع فرج الأمة رضى منه بها ; لأنه لا ينظره إلا النساء أو من يحل له الوطء فأجاز نظر النساء إليه . فأجاب ابن عبد السلام بأن طريق الحكم هنا منحصر في الشهادة ولا تقبل إلا بصفتها الخاصة وطريقه في تلك غير منحصرة في الشهادة ، بل له غيرها من الوجوه التي ذكرها الفقهاء في محلها فلا ينبغي أن يرتكب محرم وهو نظر الفرج بلا ضرورة . قلت يرد بأن صورة النقض إنما هي إذا لم يمكن إثبات العيب إلا بالنظر . وكان يجري لنا الجواب بثلاثة أوجه ، أحدها : أن الحد حق لله تعالى وثبوت العيب حق آدمي وحق الله تعالى أوكد لقولها فيمن سرق وقطع يمين رجل عمدا يقطع للسرقة ، ويسقط القصاص . الثاني ما لأجله النظر هنا محقق الوجود أو راجحه وثبوت العيب بالسوية . الثالث : المنظور إليه في الزنا إنما هو مغيب الحشفة ، وهو لا يستلزم من الإحاطة بالفرج ما يستلزمه النظر إلى العيب . اللخمي قوله كيف يشهد الشهود إلا هكذا ، أراد به أن تعمد النظر لا يبطل شهادتهم لإرادة إقامة الحد ، وهذا أحسن فيمن كان معروفا [ ص: 447 ] بالفساد ومن لم يعرف به فيه نظر يصح أن يقال لا يكشفون ولا تحقق عليهم الشهادة ، ; لأنه إن تبين ذلك لهم استحب لهم أن لا يبلغوا الشهادة ، ويصح أن يقال يكشفون عن تحقيقها ، فإن قذفه أحد بعدها بلغوها فلا يحد قاذفه والستر أولى ; لأن مراعاة قذفه نادرة قلت ولقولها من قذف وهو يعلم أنه زنى حل له القيام بحد قاذفه .

المازري تعمد نظر البينة لفعل الزاني ظاهر المذهب أنه غير ممنوع ; لأنه لا تصح الشهادة إلا به ، ونظر الفجأة لا يحصل به ما تتم به الشهادة ومنع بعض الناس نظر العورة في ذلك لما نبه الشارع عليه من استحسان الستر . وفي قواعد عز الدين إنما يجوز للشهود أن ينظروا من ذلك ما يحصل وجوب الحد وهو مغيب الحشفة فقط ، والنظر إلى الزائد على ذلك حرام . قلت هذا كله إن عجز الشهود عن منع الفاعلين إتمام ما قصداه أو ابتدآه من الفعل ، فلو قدروا على ذلك بفعل أو قول ولم يفعلوا بطلت شهادتهم لعصيانهم بعدم تغييرهم هذا المنكر إلا أن يكون فعلهما بحيث لا يمنعه التغيير لإسراعهما . ا هـ . الحط ونقله ابن غازي ولم يتعقبه وهو ببادئ الرأي ظاهر ، ولكن صرح ابن رشد في البيان بخلافه ، ونصه ابن القاسم في الرجل يرى السارق يسرق متاعه فيأتي بشاهدين لينظرا إليه ويشهدا عليه بسرقته فينظران إليه ورب المتاع معهما ، ولو أراد أن يمنعه منعه قال ليس عليه قطع ، ونحن نقول إنه قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه . وقال أصبغ أرى عليه القطع . محمد بن رشد قول أصبغ أظهر ; لأنه أخذ المتاع مستسرا به لا يعلم أن أحدا يراه لا رب المتاع ولا غيره كمن زنى والشهود ينظرون إليه ولو شاءوا أن يمنعوه منعوه وهو لا يعلم أن الحد واجب عليه بشهادتهم . ووجه قول ابن القاسم وما حكاه عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنهما أنه رآه من ناحية المختلس لما أخذ المتاع وصاحبه ينظر إليه ، وليس بمنزلة المختلس على الحقيقة إذ لم يعلم بنظر صاحب المتاع إليه ا هـ .




الخدمات العلمية