الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 489 ] وحلف عبد وسفيه مع شاهد ، لا صبي وأبوه ، وإن أنفق وحلف مطلوب ليترك بيده ، [ ص: 490 ] وأسجل ليحلف ، إذا بلغ كوارثه قبله ، [ ص: 491 ] إلا أن يكون نكل أولا ، ففي حلفه : قولان .

التالي السابق


( وحلف عبد ) قن أو ذو شائبة حرية مدع بمال على منكر وشهد له عدل به وثبت له ، وإن نكل فقال اللخمي فإن كان مأذونا له في التجارة حلف المدعى عليه وبرئ ولا كلام لسيده ، وإن كان غير مأذون له حلف سيده مع شاهده واستحق المال . ( و ) حلف شخص ( سفيه ) أي بالغ عاقل لا يحفظ المال ولا يحسن التصرف فيه مدع بمال على منكر وشهد له به شاهد ( مع شاهد ) له به وثبت له ، فإن نكل فقال ابن القاسم يحلف المطلوب ويبرأ وابن رشد فليس له الحلف بعد رشد . وقال ابن كنانة له الحلف بعد رشده ( لا ) يحلف ( صبي ) عامل بالغا بمال وأنكره وشهد له به عليه شاهد لعدم تكليفه ( و ) لا يحلف ( أبوه ) ; لأنه لم يتول المعاملة ولأنه لا يحلف شخص ليستحق غيره إن لم ينفق لوجود ماله ، بل ( وإن أنفق ) الأب على الصبي لفقره على المشهور المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك ، وقيد الخلاف بما إذا لم يل الأب أو الوصي المعاملة ، فإن وليها أحدهما وجبت اليمين عليه ، فإن نكل غرم . ( و ) إذا لم يحلف الصبي ولا أبوه ( حلف ) شخص ( مطلوب ) للصبي على بطلان ما شهد به الشاهد الصبي ( ليترك ) بضم التحتية وفتح الراء المدعى به ( بيده ) أي المطلوب حتى يبلغ الصبي ، فإن نكل المطلوب سلم المال للصبي لثبوته له بالشاهد ونكول المطلوب ، ولا يمين على الصبي إذا بلغ ، وسواء كان المدعى به معينا كدار أو غيره كالعين ، وسواء كان المطلوب مأمونا أو يخشى فقره قاله اللخمي .

البناني الذي لابن الحاجب فإذا حلف المطلوب ففي وقف المعين قولان ، فنسب في ضيح الأول لظاهر الموازية وكتاب ابن سحنون ، والثاني للأخوين وابن عبد الحكم وأصبغ ، وبنى المازري الخلاف على الخلاف في إسناد الحق إلى الشاهد فقط واليمين كالعاضد ، فيحسن الإيقاف أو إليهما معا فيضعف الإيقاف ، وذكر في البيان الخلاف في وقف الدين [ ص: 490 ] ثم قال ووقفه صحيح في القياس ، إذ لو كان المدعى فيه شيئا معينا لوجب توقيفه أو بيعه وتوقيف ثمنه إن خشي عليه على ما يأتي لابن القاسم . ا هـ . فظاهره أن وقف المعين هو المذهب ، والله أعلم .

( و ) إذا حلف المطلوب وترك المال بيده ( أسجل ) بضم فسكون فكسر ، أي كتب ما وقع في سجل القاضي ( ليحلف ) الصبي يمينا يكمل النصاب ( إذا بلغ ) الصبي ويأخذ المال من المطلوب ، فإن نكل فلا شيء له ولا يحلف المطلوب لحلفه أولا كما يأتي . وشبه في الحلف فقال ( كوارثه ) أي الصبي إن مات ( قبله ) أي البلوغ فيحلف الوارث ويستحق المال لانتقاله له بموت الصبي ، وظاهر كلام المصنف حلف وارث الصبي ولو كان حلف أولا مع الشاهد وأخذ نصيبه من المدعى به . البناني اعتمد المصنف قول ابن يونس لو حلف الكبير أولا وأخذ مقدار حقه ثم ورث الصغير فلا يأخذ نصيبه إلا بيمين ثانية ، وسلمه المازري وابن عبد السلام وابن عرفة ، وانظر كيف سلموه وهو خلاف ما أفتى به ابن رشد في نوازله من أنه لا يحتاج إلى إعادة اليمين في مثل هذا ، إذ سأله عياض عن رجل توفي عن ورثة كبار وابنة صغيرة فأثبتوا له ملكا بشاهد واحد وحلف الكبار معه وحلف المطلوب لنصيب البنت ثم ماتت قبل بلوغها وورثتها أمها فلا تحلف ثانية لحظها من بنتها ، فأجابه ابن رشد بما نصه يمين المرأة أن ما شهد به الشاهد حق ليستحق بها حظها مما أحقته لزوجها مع الشاهد تجزيها فيما صار إليها من بنتها ; لأنها قد حلفت على ذلك ، إذ حلفت على الجميع حين لم يصح لها أن تبعض شهادة الشاهد فتحلف على أنه شهد بحق في مقدار حصتها ، فتكون قد أكذبته في شهادته ، وهذا مما لا يسمع عندي فيه اختلاف بوجه من الوجوه ; لأنها وإن كانت لم تستحق بيمينها أولا إلا قدر حظها ، فقد حلفت على الجميع ، فإذا رجع الحق إليها فيما تستحقه بيمينها مما حلفت عليه اكتفت باليمين الأولى ، هذا الذي يأتي على منهاج قول الإمام مالك " رضي الله عنه " وجميع أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، وقد نقل في تكميل التقييد السؤال والجواب [ ص: 491 ] بتمامها

وقال فخرج من هذا أن ابن يونس قطع بتكرير اليمين ، وقطع ابن رشد بعدم تكريرها واللائق بتحصيل ابن عرفة أن لا يغفل فتوى ابن رشد في هذا المقام لمخالفتها ما نقل من كلام ابن يونس وإن مات شخص عن ابنين بالغ وصبي وشهد له عدل بمال عند منكره وحلف المطلوب لبقاء نصيب الصبي منه بيده أو إيقافه بيد عدل ومات الصبي قبل بلوغه وورث نصيبه أخوه البالغ فإنه يحلف على حقية ما شهد العدل به ويأخذ نصيب الصبي ممن هو بيده في كل حال . ( لا أن يكون ) البالغ ( نكل ) عن اليمين على حقية ما شهد به العدل لأبيهما ( أولا ) بشد الواو منونا أي حين إقامة الدعوى وشهادة الشاهد لهما ( ففي حلفه ) أي البالغ بعد موت الصبي وأخذ نصيبه ; لأنه قد يحدث له ما يقوي ظنه بحقية ما شهد العدل به . ابن يونس وهو الظاهر ألا ترى أنه لو حلف أولا وأخذ حصته ثم ورث الصغير فإنه لا يأخذ حصته إلا بيمين ثانية وعدم حلفه لنكوله أولا قاله بعض شيوخ عبد الحق ( قولان ) للمتأخرين لم يطلع المصنف على أرجحية أحدهما . المازري ولا نص فيها للمتقدمين ، ولذا عيب قول ابن الحاجب فلو كان وارث الصغير معه أولا وكان قد نكل لا يحلف على المنصوص ; لأنه نكل عنها .




الخدمات العلمية