الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5013 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي، في: (الباب المتقدم).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي، ص 145 جـ 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ ص: 9 ] [عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              عن أنس بن مالك، رضي الله عنه؛ (أن أهل مكة)، والمراد بأهل مكة: كفار قريش. وفي دلائل النبوة "لأبي نعيم"؛ عن ابن عباس أنهم: الوليد بن المغيرة، وأبو جهل، والعاص بن وائل، والعاص بن هشام، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، وابنه زمعة، والنضر بن الحارث. انتهى.

                                                                                                                              (سألوا رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: أن يريهم آية)؟ أي: معجزة، تشهد لما ادعاه من نبوته. (فأراهم انشقاق القمر، مرتين). زاد في رواية له، في الصحيحين: "شقين، حتى رأوا حراء [ ص: 10 ] بينهما"، بفتح الشين. وهذا من مراسيل الصحابة؛ لأن أنسا لم يشاهد هذه القصة، ولم يحضرها؛ لأنه كان ابن أربع أو خمس سنين، بالمدينة. والمراد بالمرتين: "فرقتين"؛ جمعا بين الروايات. كما نبه عليه في الفتح.

                                                                                                                              [ ص: 11 ] وفي الباب عن ابن عباس؛ عند البخاري: "ولكنه لم يحضر ذلك أيضا؛ لأنه كان بمكة، قبل الهجرة: بنحو خمس سنين. وكان ابن عباس إذ ذاك لم يولد". لكن في بعض الطرق: أنه حمل الحديث عن ابن مسعود.

                                                                                                                              قال القسطلاني: وانشقاق القمر، من أمهات المعجزات. وأجمع عليه المفسرون، وأهل السنة. وروي عن جماعة كثيرة، من الصحابة. انتهى.

                                                                                                                              وقال النووي: قال القاضي: انشقاق القمر: من أمهات معجزات نبينا، صلى الله عليه وآله وسلم. وقد رواها عدة من الصحابة، رضي الله عنهم. مع ظاهر الآية الكريمة) وسياقها.

                                                                                                                              قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة؛ المضاهين: المخالفي الملة. وذلك لما أعمى الله قلبه. ولا إنكار للعقل فيها؛ لأن القمر مخلوق الله تعالى، يفعل فيه ما يشاء. كما يفنيه ويكوره، في آخر أمره.

                                                                                                                              وأما قول بعض الملاحدة: لو وقع هذا؛ لنقل متواترا، واشترك أهل الأرض كلهم في معرفته، ولم يختص بها أهل مكة: فأجاب العلماء: بأن هذا الانشقاق، حصل في الليل، ومعظم الناس نيام غافلون، والأبواب مغلقة، وهم متغطون بثيابهم. فقل من يتفكر في [ ص: 12 ] السماء، أو ينظر إليها، إلا الشاذ النادر. ومما هو مشاهد معتاد: أن كسوف القمر، وغيره من العجائب، والأنوار الطوالع، والشهب العظام، وغير ذلك مما يحدث في السماء، في الليل: يقع ولا يتحدث به إلا الآحاد. ولا علم عند غيرهم لما ذكرناه. وكان هذا الانشقاق آية، حصلت في الليل، لقوم سألوها واقترحوا رؤيتها، فلم يتنبه غيرهم لها.

                                                                                                                              قالوا: وقد يكون القمر، كان حينئذ في بعض المجاري والمنازل، التي تظهر لبعض الآفاق دون بعض. كما يكون ظاهرا لقوم، غائبا عن قوم، كما يجد الكسوف أهل بلد دون بلد. والله أعلم. انتهى كلام النووي، رحمه الله.

                                                                                                                              قلت: وفي الباب أحاديث كثيرة طيبة، رواها الشيخان في صحيحيهما، وغيرهما في غيرهما.

                                                                                                                              والمسألة فيها أقوال ثلاثة "لا غير؛ أحدها: ثبوت الانشقاق. وبهذا جاء القرآن، والأخبار الصحيحة المحكمة الصريحة. وبه قال جمهور السلف والخلف. ولم يختلف فيه: إلا بعض المبتدعة، ممن لا يعتد بهم.

                                                                                                                              وثانيها: إنكاره مطلقا. وفي ذلك: إنكار القرآن، وتكذيب الرحمن، ونعوذ بالله من الكفر والخذلان.

                                                                                                                              [ ص: 13 ] الثالث: الاعتراف بانشقاقه. وهو من أشراط الساعة، وأمارات القيامة. ومعجزة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، في ذلك: الإخبار عن انشقاقه دون فعله منه، صلى الله عليه وآله وسلم. وإلى هذا: ذهب الشيخ أحمد ولي الله، المحدث الدهلوي، رحمه الله). وله وجه، ذكره في "التفهيمات" وغيرها. وقد ذكرناه في تفسيرنا: "فتح البيان، بأوضح التبيان". فراجعه.

                                                                                                                              والأحوط: القول بما قاله سلف هذه الأمة وأئمتها، واتفقوا عليه.

                                                                                                                              وهو القول الأول. والعلم عند الله تعالى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية