الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4375 باب في وفاة موسى ، عليه السلام

                                                                                                                              وذكره النووي في : (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 128- 129 ج 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن همام بن منبه: قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث،

                                                                                                                              منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك قال: فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها قال: فرجع الملك إلى الله تعالى، فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني. قال: فرد الله إليه عينه. وقال: ارجع إلى عبدي، فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت [ ص: 237 ] تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، رب أمتني من الأرض المقدسة رمية بحجر" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر" ") .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم : جاء ملك الموت إلى موسى ، عليه السلام) في صورة آدمي . وكان عمر موسى - إذ ذاك - مائة وعشرين سنة . (فقال له : أجب ربك) أي : للموت . ومعناه : جئت لقبض روحك .

                                                                                                                              (قال : فلطم موسى ، عليه السلام عين ملك الموت ، ففقأها) .

                                                                                                                              وفي رواية : "صكه" وهو بمعنى : "لطمه" . "وفقأ" ، بالهمز .

                                                                                                                              قال المازري : قد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث . وأنكر تصوره . قالوا : كيف يجوز على موسى فقء عين ملك الموت ؟!

                                                                                                                              قال: وأجاب العلماء عن هذا بأجوبة ؛

                                                                                                                              أحدها : أنه لا يمتنع أن يكون موسى ، قد أذن الله له في هذه اللطمة ، [ ص: 238 ] ويكون ذلك امتحانا للملطوم . والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ما شاء ، ويمتحنهم بما أراد .

                                                                                                                              الثاني : أن هذا على المجاز . والمراد : أن موسى ناظره وحاجه ، فغلبه بالحجة . ويقال : "فقأ فلان عين فلان" : إذا غالبه بالحجة .

                                                                                                                              ويقال : "عورت الشيء" إذا أدخلت فيه نقصا . قال النووي : وفي هذا ضعف ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "فرد الله عينه" . فإن قيل : أراد رد حجته ، كان بعيدا .

                                                                                                                              الثالث : أن موسى لم يعلم : أنه ملك من عند الله ، وظن أنه رجل قصده يريد نفسه ، فدافعه عنها ، فأدت المدافعة إلى فقء عينه ، لا أنه قصدها بالفقء. وتؤيده : رواية "صكه" . قال : وهذا جواب الإمام "أبي بكر بن خزيمة" ، وغيره من المتقدمين . واختاره المازري ، والقاضي عياض . قالوا : وليس في الحديث : تصريح بأنه تعمد فقء عينه .

                                                                                                                              فإن قيل : فقد اعترف موسى ، حين جاءه ثانيا : بأنه ملك الموت ، فالجواب : أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة، علم بها : أنه ملك الموت ، [ ص: 239 ] فاستسلم ، بخلاف المرة الأولى . والله أعلم . انتهى .

                                                                                                                              قلت : وفيه : إثبات العين للملائكة ، وأنهم يتمثلون بصور الآدميين بإذن الله تعالى ، عند قبض أرواح الأنبياء وغيرهم .

                                                                                                                              (قال : فرجع الملك إلى الله تعالى ، فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، وقد فقأ عيني . قال : فرد الله إليه عينه ، وقال : ارجع إلى عبدي فقل : الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة ، فضع يدك على متن ثور) هو ظهره (فما توارت يدك من شعرة: فإنك تعيش بها سنة . قال : ثم مه ؟) هي "هاء السكت" وهو استفهام . أي : ثم ماذا يكون ؟ أحياة ، أم موت ؟ (قال : ثم تموت . قال : فالآن من قريب) يكون الموت . ولا حاجة إلى تأخيره . (رب ! أمتني من الأرض المقدسة رمية بحجر) أي : قدر ما يبلغه.

                                                                                                                              هكذا هو في معظم النسخ : "أمتني" من الموت . وفي بعضها : "أدنني" بالدال ، ونونين . قال النووي : وكلاهما صحيح . انتهى .

                                                                                                                              قلت : وعند البخاري : "فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة : رمية بحجر" . أي : دنوا لو رمى رام بحجر من ذلك الموضع ، الذي هو [ ص: 240 ] موضع قبره : لوصل إلى بيت المقدس . وكان موسى ، عليه السلام ، إذ ذاك : بالتيه .

                                                                                                                              قال النووي : أما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة ؛ فلشرفها ، وفضيلة من فيها من المدفونين : من الأنبياء وغيرهم . قال : وقال بعض العلماء : وإنما سأل الإدناء ، ولم يسأل نفس بيت المقدس : لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم ، فيفتتن به الناس . قال ابن عباس : لو علمت اليهود "قبر موسى وهارون" ، لاتخذوهما إلهين من دون الله.

                                                                                                                              قال: وفي هذا : استحباب الدفن في المواضع الفاضلة ، والمواطن المباركة ، والقرب من مدافن الصالحين . انتهى .

                                                                                                                              قلت : وقد وردت أحاديث : في تحسين الموت ، بأحد الحرمين الشريفين ، زادهما الله عزا وفضلا. ومن مات بأحدهما : يبعث من الآمنين ، إن شاء الله تعالى . وهأنا أقول : اللهم ! ارزقنا شهادة في سبيلك ، واجعل موتنا في بلد رسولك ، وبالله التوفيق ، وهو المستعان .

                                                                                                                              (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "والله ! لو أني عنده لأريتكم قبره ، إلى جانب الطريق ، عند الكثيب الأحمر") .

                                                                                                                              [ ص: 241 ] قال النووي : "الكثيب" : الرمل المستطيل ، المحدودب.

                                                                                                                              وقال القسطلاني : الرمل المجتمع. والمعنى واحد .

                                                                                                                              وليس نصا في الإعلام بتعيين قبره ، عليه السلام . وقد اشتهر "قبر" بأريحا ، عند كثيب أحمر : أنه "قبر موسى" . وأريحا من الأرض المقدسة .

                                                                                                                              وأما ما يرى عند قبره المقدس : من أشباح بالقبة المبنية عليه ، مختلفة الهيئات والأفعال : فالله أعلم بحقيقتها . لكن قال القسطلاني : أخبرني شيخ الإسلام "البرهان بن أبي شريف" : أنه إذا وقع هناك ، فعل ما لا يجوز : تحصل ظلمة واضطراب ، حتى يزال ذلك فتنجلي.

                                                                                                                              وقد روي عن وهب بن منبه : أن الملائكة تولوا دفنه ، والصلاة عليه . والله أعلم ، وعلمه أتم وأحكم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية