الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4376 [ ص: 231 ] باب في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تفضلوا بين أنبياء الله

                                                                                                                              وقال النووي : (باب : فضائل موسى صلى الله عليه وسلم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 129 - 131 ج 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (حدثني زهير بن حرب، حدثنا حجين بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال بينما يهودي يعرض سلعة له أعطي بها شيئا كرهه أو لم يرضه شك عبد العزيز. قال: لا والذي اصطفى موسى "عليه السلام" على البشر! قال: فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه، قال: "تقول والذي اصطفى موسى عليه السلام: على البشر" ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟

                                                                                                                              قال: فذهب اليهودي، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، إن لي ذمة، وعهدا. وقال: فلان لطم وجهي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم لطمت وجهه؟" قال: قال يا رسول الله: والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر وأنت بين أظهرنا.

                                                                                                                              [ ص: 232 ] قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه. ثم قال: "لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات، ومن في الأرض، إلا من شاء الله" . قال: "ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث -أو في أول من بعث-، فإذا موسى، عليه السلام، آخذ بالعرش، فلا أدري: أحوسب بصعقته، يوم الطور، أو بعث قبلي؟ ولا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متى، عليه السلام"
                                                                                                                              .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ قال : بينما يهودي يعرض سلعة له ، أعطي بها شيئا كرهه - أو لم يرضه - "شك عبد العزيز" . قال : لا ، والذي اصطفى موسى) عليه السلام) (على البشر! قال : فسمعه رجل من الأنصار ، فلطم وجهه ، قال : تقول : والذي اصطفى موسى) عليه السلام) (على البشر ! ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا ؟ قال : فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : يا أبا القاسم ! إن لي ذمة وعهدا . وقال : فلان لطم وجهي . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لم لطمت وجهه ؟" قال : قال - يا رسول الله ! - والذي اصطفى موسى) عليه السلام (على البشر ! وأنت بين أظهرنا . قال : فغضب رسول الله ، [ ص: 233 ] صلى الله عليه وآله (وسلم ، حتى عرف الغضب في وجهه ، ثم قال : لا تفضلوا بين أنبياء الله) سبق بيانه وتأويله ، مبسوطا في باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "أنا سيد ولد آدم" ، في أوائل كتاب الفضائل .

                                                                                                                              (فإنه ينفخ في الصور ، فيصعق من في السموات ، ومن في الأرض ، إلا من شاء الله . قال : ثم ينفخ فيه أخرى : فأكون أول من بعث - أو في أول من بعث - فإذا موسى) عليه السلام (آخذ بالعرش ، فلا أدري : أحوسب بصعقة يوم الطور، أو بعث قبلي؟) .

                                                                                                                              وفي رواية: "فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري : أكان فيمن صعق فأفاق قبلي ، أم كان ممن استثنى الله تعالى؟" يعني في قوله : فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فحوسب بصعقة الطور ، فلم يكلف صعقة أخرى . "والصعق ، والصعقة" : الهلاك والموت . ويقال منه : "صعق الإنسان" بفتح الصاد ، وضمها . وأنكر بعضهم : "الضم" . و "صعقتهم الصاعقة" : بفتح الصاد والعين "وأصعقتهم" . وبنو تميم يقولون : [ ص: 234 ] الصاقعة بتقديم القاف .

                                                                                                                              قال عياض : وهذا من أشكل الأحاديث ؛ لأن موسى قد مات ، فكيف تدركه الصعقة ؟ وإنما تصعق الأحياء . وقوله : "ممن استثنى الله" ، يدل على أنه كان حيا . ولم يأت : أن موسى رجع إلى الحياة ، ولا أنه حي كما جاء في "عيسى" . وقد قال صلى الله عليه وسلم : "لو كنت ثم ، لأريتكم قبره إلى جانب الطريق" .

                                                                                                                              قال: فيحتمل : أن هذه الصعقة : صعقة فزع بعد البعث ، حين تنشق السموات والأرض ، فتنتظم حينئذ الآيات والأحاديث. ويؤيده : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "فأفاق" . لأنه إنما يقال : "أفاق من الغشي" . وأما الموت ، فيقال : "بعث" منه . وصعقة الطور لم تكن موتا .

                                                                                                                              وأما قوله : "فلا أدري : أفاق قبلي ؟" فيحتمل : أنه صلى الله عليه وآله وسلم ، قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض ، إن كان هذا اللفظ على ظاهره . وأن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم : أول شخص تنشق عنه الأرض ، على الإطلاق .

                                                                                                                              قال: ويجوز أن يكون معناه : أنه من الزمرة ، الذين هم أول من تنشق الأرض عنهم ، فيكون موسى "عليه السلام" من تلك الزمرة . وهي [ ص: 235 ] - والله أعلم - زمرة الأنبياء عليهم السلام . هذا آخر كلام القاضي "رحمه الله تعالى" .

                                                                                                                              (ولا أقول : أن أحدا أفضل من يونس بن متى) عليه السلام .

                                                                                                                              وفي رواية : "أن الله تعالى قال : لا ينبغي لعبد لي يقول : أنا خير من يونس بن متى" .

                                                                                                                              وفي رواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم : قال : "ما ينبغي لعبد يقول أنا خير ..الخ" .

                                                                                                                              قال النووي : قال العلماء: هذه الأحاديث تحتمل وجهين ؛

                                                                                                                              أحدهما : أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا ، قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس، فلما علم ذلك قال : "أنا سيد ولد آدم" . ولم يقل هنا : إن يونس أفضل منه ، أو من غيره : من الأنبياء .

                                                                                                                              [ ص: 236 ] الثاني : أنه قال هذا ، زجرا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئا ، من حط مرتبة يونس "عليه السلام" ، من أجل ما في القرآن العزيز من قصته .

                                                                                                                              قال العلماء : وما جرى ليونس : لم يحطه من النبوة مثقال ذرة . وخص يونس بالذكر : لذكره في القرآن بما ذكر. والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية