الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              وقال (في التحفة) : "الشج" : كسر عظم الرأس . "والبج" : الطعن بالرمح . ولعل المراد به : مطلق الطعن .

                                                                                                                              "والفل" : كسر حرف الإناء ، والسيف . والمراد به : الضرب المبرح ، الذي يظهر أثره في الجسد . وقيل : هو كسر السن .

                                                                                                                              والترديد: على سبيل منع الخلو . فلا ينافي الاجتماع . ولذا قالت : (أو جمع كلا لك) . أي : من الشج ، والفل . انتهى.

                                                                                                                              وفي رواية الزبير : "إن حدثته : سبك . وإن مازحته : فلك . وإلا جمع كلا لك" .

                                                                                                                              فوصفته - كما قال عياض - : بالحمق ، والتناهي في سوء العشرة ، وجمع النقائص : بأن يعجز عن قضاء وطرها ، مع الأذى . فإذا حدثته : سبها . وإذا مازحته : شجها . وإذا أغضبته : كسر عضوا من أعضائها ، أو شق جلدها، أو أغار على مالها، أو جمع كل ذلك : من الضرب ، والجرح ، وكسر العضو ، وموجع الكلام ، وأخذ المال.

                                                                                                                              وفي هذا القول من البديع : المطابقة ، والالتزام في قولها :

                                                                                                                              [ ص: 441 ] "شجك ، فلك ، بجك ، جمع كلا لك" . والتقسيم ، وبديع الوحي والإشارة ، بقولها : "كل داء له داء" . وهو من لطيف الوحي والإشارة . وهي جملة أنبأت -بوجازة ألفاظها- . وأعربت - بلطائف إشاراتها - : عن معان كثيرة . انتهى.

                                                                                                                              قلت : والخطاب فيها : لكل واحدة منهن ، على سبيل البدلية . أو للكل ، فإن "ضمير المخاطبة" : يجوز لجماعة النساء .

                                                                                                                              وقيل : فيه التفات من التكلم إلى الخطاب . وأرادت به : نفسها . قال في (التحفة) : ولا يخفى ما فيه من البعد.

                                                                                                                              قال: ذمته بالضرب ، لما أن الضرب كان يشق عليهن ، حتى إذا كن سمعن برجل يضرب النساء : ينفرن عنه ، ويقلن : "إنه لا يضع العصا عن عاتقه" . أي : يضرب دائما . ولذلك : لا يضربون نساءهم ، إذا أحبوهن . قال شريح:


                                                                                                                              رأيت رجالا يضربون نساءهم فشلت يميني يوم أضرب زينبا وقال الحماسي:

                                                                                                                                  وما أنا بالساعي إلى أم عاصم
                                                                                                                              لأضربها إني إذا لجهول



                                                                                                                              ففيه إشارة ، إلى أن زوجها : لا يحبها .

                                                                                                                              [ ص: 442 ] (قالت) المرأة (الثامنة) ، وهي "ناشرة بنت أوس" ، تمدح زوجها : (زوجي : الريح ريح زرنب) نوع من الطيب معروف .

                                                                                                                              قال في القاموس : "الزرنب" : طيب ، أو شجر طيب الرائحة، والزعفران .

                                                                                                                              وقيل : أرادت : طيب ريح جسده .

                                                                                                                              وقيل : طيب ثيابه في الناس .

                                                                                                                              وقيل : طيب العرق : لنظافته ، واستعماله الطيب .

                                                                                                                              وقيل : يحتمل : أن تكون كنت بذلك : عن طيب الثناء عليه ، لجميل معاشرته .

                                                                                                                              قال (في التحفة الصديقية) : "الريح" : الرائحة . والظاهر : أن المراد به : "ريح الفم" ، فإن "الزرنب" : يشبه ريح الفم بريحه . على أن "طيب الفم" ، كان أحب إليه . كما أن "البخر" كان مكروها لهن .

                                                                                                                              و"النكهة" أيضا : ريح الفم . ويجوز أن يراد بها : مطلق الرائحة الطيبة . فإنها أيضا كانت أحب إليهن .

                                                                                                                              قال البيجوري : وفي (الفائق) : أن الزاي والذال في هذا اللفظ لغتان ؛ والمعنى هو : لين البشرة ، طيب الرائحة .

                                                                                                                              (والمس) منه : (مس أرنب) . قال النووي : صريح في لين الجانب ، وكرم الخلق .

                                                                                                                              [ ص: 443 ] وقال القسطلاني : وصفته بأنه : ناعم الجسد ، كنعومة وبر الأرنب .

                                                                                                                              أو كنت بذلك : عن حسن خلقه ، ولين جانبه . انتهى.

                                                                                                                              قال البيجوري : يعني "في اللين والنعومة" ، فهو تشبيه بليغ . .

                                                                                                                              وفي التحفة : "المس" : اللمس . وهو مصدر مجهول ، أضيف إلى المفعول . ولا يضاف في مواقع الذم والمدح : إلا إليه. و "الأرانب" : معروفة بلين المس ، ونعومة الجلد . انتهى.

                                                                                                                              قال عياض : هذا من التشبيه بغير أداة . وفيه : حسن المناسبة ، والمقابلة بقولها: "المس مس أرنب" ، والالتزام في قولها "أرنب ، وزرنب" فإنها التزمت الراء والنون.

                                                                                                                              وزاد الزبير بن بكار ، والنسائي : من رواية "عقبة" : (وأنا أغلبه ، والناس يغلب) . فوصفته - مع جميل العشرة لها ، والصبر عليها - : بالشجاعة . وهذا كما حكاه صاحب "تحفة النفوس" : أن صعصعة بن صوحان ، قال يوما لمعاوية بن أبي سفيان : كيف ننسبك إلى العقل ، وقد غلبك نصف إنسان ؟ - يريد : امرأته "فاختة بنت قرطة" - فقال : إنه يغلبن الكرام ، ويغلبهن اللئام .

                                                                                                                              [ ص: 444 ] قال عياض : وقولها: "والناس يغلب" فيه نوع من البديع ، يسمى : "التتميم" ؛ لأنها لو اقتصرت على قولها : "وأنا أغلبه" : لظن أنه : جبان ضعيف . فلما قالت : "والناس يغلب" : دل على أن غلبها إياه ، إنما هو من كرم سجاياه . فتممت بهذه الكلمة : المبالغة في حسن أوصافه .

                                                                                                                              (قالت) المرأة (التاسعة) ولم تسم ، تمدح زوجها : (زوجي رفيع العماد) ، بكسر العين . وهو "العمود" الذي يدعم به البيت.

                                                                                                                              تعني : أن البيت الذي يسكنه : رفيع العماد ، ليراه الضيفان ، وأصحاب الحوائج : فيقصدوه ، كما كانت بيوت الأجواد يعلونها، ويضربونها في المواضع المرتفعة : ليقصدهم الطارقون والطالبون . أو هو مجاز : عن زيادة شرفه ، وعلو ذكره .

                                                                                                                              قال النووي : "أصل العماد" : عماد البيت . وجمعه : "عمد" . وهي العيدان التي تعمد بها البيوت .

                                                                                                                              أي : بيته في الحسب : "رفيع في قومه" .

                                                                                                                              وفي التحفة : "العماد" : جمع "عمادة" . وهو البناء المرتفع . وبه فسر قوله تعالى : ذات العماد . ثم اشتهر في كل كريم : له حسب شريف ، ومجد منيف ، وإن لم يكن له عمادة .

                                                                                                                              قال البيجوري : أي : شريف الذكر ، ظاهر الصيت . فكنت بذلك : عن علو حسبه ، وشرف نسبه . إذ العماد في الأصل : "عمد تقوم عليه [ ص: 445 ] الأبنية" أو "الأبنية الرفيعة" . قال: ويصح إرادة حقيقته. فإن بيوت الأشراف ، أعلى وأغلى : من بيوت الأحاد .

                                                                                                                              (طويل النجاد) بكسر النون ، على وزن "كتاب" . قال في القاموس : "حمائل السيف" . أي : طويل القامة . وفي ضمن كلامها : أنه "صاحب سيف" ، فأشارت إلى شجاعته .

                                                                                                                              زاد البيجوري : طول القامة ممدوح عند العرب ، لاسيما : عند أرباب الحرب ، والشجاعة .

                                                                                                                              وقال النووي : "الطويل" ، يحتاج إلى طول حمائل سيفه . والعرب تمدح بذلك . والمعاني متقاربة . زاد في التحفة : وهو مدح في الرجال . ثم كنى به : عن نيل ما لا يناله الصغار ، من المكارم . حتى قيل لكل كريم ، بلغ العلى والمكارم : "طويل" . كما قيل لكل كريم نقي العرض : "أبيض" ، وإن لم يكن أبيض .

                                                                                                                              ومنه قول أبي طالب (فيه صلى الله عليه وآله وسلم) :


                                                                                                                              وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

                                                                                                                              انتهى .

                                                                                                                              قلت : هذه الدعوى ، أن منه قول أبي طالب المذكور : لا تصح ؛ إذ ظاهرها يشعر : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يكن "أبيض" .

                                                                                                                              [ ص: 446 ] وقول أبي طالب: كناية عن نقي العرض . وليس كذلك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كان أبيض المحيا ، أزهر اللون ، مليح الوجه ، صبيح الصورة ، كما تظاهرت بذلك الأدلة الصحيحة . نعم : إنه صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يكن الأبيض الأمهق . وهذا لا ينافي أنه أبيض ، مشرب بحمرة . فقول أبي طالب فيه صلى الله عليه وآله وسلم : "أبيض" : تصريح في المراد منه ، وهو : "الأبيض المشرب بحمرة" . وليس بكناية عن نقي العرض ، وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم : نقي العرض أيضا .

                                                                                                                              (عظيم الرماد) . "الرماد" معروف . و "كثير الرماد" : كناية عن الجواد ، الذي يطعم المساكين ، ويقري النازلين . فله : قدور مرفوعة ، وجفان موضوعة .

                                                                                                                              قال البيجوري : معناه : "عظيم الكرم والجود" . فهو من قبيل الكناية ، لأنه أطلق لفظ "عظيم الرماد" ، وأريد : لازم معناه . فإن عظم الرماد : يستلزم كثرة الوقود . وهي تستلزم : كثرة الخبز والطبخ . وهي تستلزم : كثرة الضيفان والوفود . وهي تستلزم : عظم الكرم . فهو لازم لعظم الرماد ، بوسائط .

                                                                                                                              وقال النووي : تصفه بالجود ، وكثرة الضيافة : من اللحوم ، والخبز ، فيكثر وقوده ، فيكثر رماده .

                                                                                                                              وقيل : لأن ناره لا تطفأ بالليل ، لتهتدي بها الضيفان . والأجواد : [ ص: 447 ] يعظمون النيران في ظلام الليل ، ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض ، ويرفعون الأقباس على الأيدي ، لتهتدي بها الضيفان .

                                                                                                                              قال القسطلاني : وهذه الكناية عندهم ، من الكنايات البعيدة ؛ لأن الانتقال فيها - من الكناية إلى المطلوب بها - : بواسطة ؛ فإنه ينتقل من كثرة الرماد ؛ إلى كثرة إحراق الحطب ، تحت القدور . ومن كثرة الإحراق ؛ إلى كثرة الطبائخ . ومنها إلى كثرة الآكلين . ومنها إلى كثرة الضيفان .

                                                                                                                              قال: وهاهنا فائدة جليلة ، في الفرق بين الكناية والمجاز . ثم نقلها عن خط التقي السبكي ، لا أذكرها ههنا : روما للاختصار .

                                                                                                                              (قريب البيت من الناد) قال النووي : هو في النسخ : "النادي" بالياء . وهو الفصيح في العربية . لكن المشهور في الرواية : حذفها ، ليتم السجع.

                                                                                                                              قال في التحفة : وإنما يقال : "النادي" لمجلس يجتمع فيه القوم، في النهار ، وينادي فيه بعضهم بعضا .

                                                                                                                              قال : وقرب البيت من النادي : كناية عن كثرة شهوده . وهو كناية : عن كون الرجل ممن يستضاء برأيه ، ويستفاد من ماله ، فإن البخيل : لم [ ص: 448 ] يكن يشهد مجلسهم، كالسفيه .

                                                                                                                              وصفته "بالكنايات" : إشعارا بأنه موصوف بالمعاني الحقيقية ، والمجازية . لعدم التنافي بينهما، في الكنايات . وأنه : متمكن في الأذهان ، كمعاني هذه الكنايات . ولما أن في هذه الكنايات : إيماءات إلى صفات أخرى . ولا يخفى ما في "العماد ، والنجاد ، والرماد ، والناد" : من التقفية . وفي "الرفيع ، والطويل ، والعظيم ، والقريب" : من اتحاد الوزن . وهو يورث زيادة حسن . انتهى.

                                                                                                                              قال البيجوري : معناه : قريب المنزل من النادي الذي هو الموضع ، الذي يجتمع فيه وجوه القوم : للحديث . وهذا شأن الكرام ، فإنهم يجعلون منازلهم قريبة من النادي : تعرضا لمن يضيفهم . فيكون الغرض من ذلك : الإشارة إلى كرمه . لكنه علم من قوله : "عظيم الرماد" .

                                                                                                                              ويحتمل : أن يكون الغرض منه : الإشارة إلى أنه : حاكم ، لا يكون بيته إلا قريبا من النادي . انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : قال أهل اللغة : النادي ، والناد، والندي ، والمنتدى : مجلس القوم . وصفته : بالكرم ، والسؤدد: لأنه لا يقرب البيت من النادي : إلا من هذه صفته . لأن الضيفان : يقصدون النادي . ولأن أصحاب النادي : يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم : من بيت [ ص: 449 ] قريب النادي . واللئام يتباعدون من النادي . انتهى.

                                                                                                                              قال القسطلاني : وفي قولها - من البديع - : المناسبة ، والاستعارة ، والإرداف، والتتبع ، وحسن التسجيع . فناسبت : ألفاظها ، وقابلت كلماتها ، بقولها : "رفيع العماد ، طويل النجاد" . فكل لفظة : على وزن صاحبتها ، إلى آخر ما قال . فراجع .

                                                                                                                              قال عياض : إذا لمحت كلام هذه وتأملته : ألفيتها لأفانين البلاغة : "جامعة" . وبعلم البيان ، وبعض الإيجاز والقصد : "قارعة" .

                                                                                                                              (قالت) المرأة (العاشرة) واسمها : "كبشة" كاسم - الخامسة - بنت "الأرقم" بالراء والقاف ، تمدح زوجها : (زوجي مالك) أي : اسمه مالك . (وما مالك؟) وفي نسخة : "فما" . و "ما" : استفهامية : للتعجب ، والتعظيم . أي : أي شيء هو مالك؟ ما أعظمه وأكرمه! (ما لك خير من ذلك) بكسر الكاف : زيادة في الإعظام ، وترفيع المكانة ، وتفسير لبعض الإبهام . وأنه خير مما أشير إليه من ثناء ، وطيب ذكر . قاله القسطلاني .

                                                                                                                              وقال البيجوري : معناه : خير من كل زوج سبق ذكره ، أو من زوج التاسعة . أو مما ستذكره فيه بعد ، أي : خير من ذلك الذي أقوله في حقه . (له) أي : لزوجي (إبل كثيرات المبارك) . "الإبل" بكسرتين، وقد تسكن الباء : "واحد" يقع على الجمع . لا جمع ، ولا اسم جمع ؛ ولذا [ ص: 450 ] يثنى ، ويجمع : فيقال "إبلان" و"آبال" . مرفوع على الابتداء . والتنكير للكثرة.

                                                                                                                              "والمبارك" ، بفتح الميم: جمع "مبرك" ، وهو موضع البروك ، أو زمانه ، أو مصدر ميمي بمعنى "البروك" . من "بركت الإبل" : إذا قعدت على هيئة قعودها .

                                                                                                                              قال النووي : معناه : أن له إبلا كثيرا ، فهي باركة بفنائه : لا يوجهها، تسرح إلا قليلا ، قدر الضرورة . ومعظم أوقاتها : تكون باركة بفنائه . فإذا نزل به الضيفان : كانت الإبل حاضرة ، فيقريهم من ألبانها ولحومها .

                                                                                                                              ولفظ القسطلاني : أي كثيرة ، ومباركها كذلك . أو كثيرا ما تثار فتحلب ، ثم تبرك فتكثر مباركها لذلك .

                                                                                                                              وقيل : مباركها كثيرة ، لكثرة ما ينحر منها للأضياف . قال هؤلاء : ولو كانت كما قال الأولون : لماتت هزالا . وهذا ليس بلازم ؛ فإنها تسرح وقتا تأخذ فيه حاجتها ، ثم تبرك بالفناء .

                                                                                                                              وقيل "كثيرات المبارك" : أي مباركها في الحقوق ، والعطايا ، والحمالات ، والضيفان : كثيرة . ومراعيها قليلة ، لأنها تصرف في هذه [ ص: 451 ] الوجوه . قاله ابن السكيت .

                                                                                                                              (قليلات المسارح) جمع : "مسرح" . من "سرح الإبل" ، إذا ساقها إلى المرعى ، ورعاها . وكل من : كثرة المبارك ، وقلة المسارح : كناية عن حبس الإبل في البيت . وكانوا يحبسونها في بيوتهم للأضياف : لئلا يتأخر القرى عنهم ، ولمن لزمهم الآية والغرامة : لئلا يتأخر الأداء عنهم.

                                                                                                                              (إذا سمعن صوت المزهر) بكسر الميم ، وسكون الزاي : العود ، الذي يضرب به عند الغناء.

                                                                                                                              قال النووي : أرادت : أن زوجها عود "إبله" ، إذا نزل به الضيفان : نحر لهم منها ، وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب . فإذا سمعت "الإبل" صوت المزهر : علمن أنه : قد جاءه الضيفان ، وأنهن منحورات هوالك .

                                                                                                                              قال : هذا تفسير أبي عبيد ، والجمهور .

                                                                                                                              قال عياض : وقال أبو سعيد النيسابوري : إنما هو "إذا سمعن صوت المزهر" بضم الميم ، وهو موقد النار للأضياف . قال: ولم تكن العرب تعرف "المزهر" بكسر الميم ، الذي هو العود ، إلا من خالط الحضر . قال القاضي : وهذا خطأ منه ، لأنه لم يروه أحد : "بضم الميم" ، ولأن "المزهر" ، بكسر الميم : مشهور في أشعار العرب ، ولأنه لا يسلم له : أن [ ص: 452 ] هؤلاء النسوة من غير الحاضرة . فقد جاء في رواية : "أنهن من قرية ، من قرى اليمن" . انتهى .

                                                                                                                              قال صاحب التحفة : "المزهر" بكسر الميم ، لا بضمها - كما توهمه النيسابوري - : من يوقد النار تحت القدور ، للأضياف.

                                                                                                                              قال: وهذا أظهر من أن يؤخذ بمعنى "العود" ، الذي هو آلة من آلات اللهو، كما ذهب إليه بعضهم ، بل أكثرهم : فإنه لا يظهر حينئذ الملازمة بين المقدم والتالي ، في قولها : "إذا سمعن صوت المزهر" ، (أيقن أنهن الهوالك) : ظهورا بيناه كما لا يخفى. وإن كانت عادتهم : أنهم - إذا طربوا ، وشربوا ، واشتغلوا بضرب الأعواد - : نحروا الإبل . ولكن هذا الأمر لم يكن مستمرا ، بل كان تارة . ومقام المدح يقتضي الكثرة والدوام.

                                                                                                                              وما قيل من أن زوجها، كان معتادا : بأن يتلقى الأضياف والقوافل بالأعواد والمعازف : فهو احتمال محض .

                                                                                                                              "والإيقان" : العلم بالاستدلال . ولذا لا يقال على علمه تعالى .

                                                                                                                              "والهوالك" جمع : "هالكة" . من "هلك" لازما .

                                                                                                                              وفيه : تصريح بكمال جوده وبذله . انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 453 ] قال القسطلاني : والحاصل : أنها جمعت في وصفها له : بين الثروة ، والكرم ، وكثرة القرى والاستعداد له .

                                                                                                                              (قالت) المرأة (الحادية عشرة) . وفي بعض النسخ : "الحادي عشرة" . وفي بعضها : "الحادية عشر" . قال النووي : والصحيح الأول. وهي : "أم زرع" بنت أكيمل بن ساعدة ، اليمنية . واسمها - في ما حكاه ابن دريد - : "عاتكة" : تمدح زوجها: (زوجي أبو زرع ) كنته بذلك لكثرة زرعه ، كما يدل عليه ما زاد الطبراني ؛ من قولها : "صاحب نعم وزرع" .

                                                                                                                              ويحتمل : أنها كنته بذلك : تفاؤلا بكثرة أولاده . ويكون الزرع بمعنى الولد .

                                                                                                                              (وما أبو زرع ) وفي رواية : "فما" .

                                                                                                                              أخبرت أولا : باسمه . ثم عظمت شأنه بهذا اللفظ . أي : إنه لشيء عظيم . كقوله تعالى : الحاقة ما الحاقة وما استفهامية : للتعجب والتعظيم ، كما تقدم في نظائرها . سئل بها عن وصفه.

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              الخدمات العلمية