الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4383 باب في ذكر يوسف ، عليه السلام

                                                                                                                              وقال النووي : (باب من فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 134 ج 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ؛ قيل: يا رسول الله! من أكرم الناس ؟ قال : " "أتقاهم" قالوا : ليس عن هذا نسألك. قال : فيوسف نبي الله بن نبي الله بن خليل الله" . قالوا : ليس عن هذا نسألك. قال: "فعن معادن العرب تسألونني؟ خيارهم في الجاهلية: خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا ") .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال : قيل : يا رسول الله ! من أكرم الناس ؟ قال : أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : "يوسف نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن خليل الله") .

                                                                                                                              [ ص: 245 ] هكذا وقع في مسلم : "نبي الله" ، الخ . وفي روايات للبخاري : كذلك . وفي بعضها : "نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن خليل الله" . وهذه الرواية هي الأصل. وأما الأولى : فمختصرة منها . فإنه : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . فنسبه في الأولى إلى جده.

                                                                                                                              "ويوسف" بضم السين وكسرها وفتحها : مع الهمز ، وتركه . فهي ستة أوجه.

                                                                                                                              قال النووي : "أصل الكرم" كثرة الخير . وقد جمع يوسف ، عليه السلام : مكارم الأخلاق ، مع شرف النبوة ، مع شرف النسب ، وكونه : نبيا ابن ثلاثة أنبياء ، متناسلين ؛ أحدهم : خليل الله . وانضم إليه شرف علم الرؤيا ، وتمكنه فيه ، ورياسة الدنيا ، وملكها بالسيرة الجميلة ، وحياطته الرعية ، وعموم نفعه إياهم ، وشفقته عليهم ، وإنقاذه إياهم من تلك السنين . والله أعلم.

                                                                                                                              [ ص: 246 ] (قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فعن معادن العرب) أي : أصولها (تسألوني ؟ خيارهم في الجاهلية : خيارهم في الإسلام ، إذا فقهوا) بضم القاف على المشهور . وحكي كسرها . أي : صاروا فقهاء ، عالمين بالأحكام الشرعية ، فيجتمع لهم شرف النسب ، مع شرف العلم .

                                                                                                                              قال أهل العلم : لما سئل : "أي الناس أكرم ؟" أخبر بأكمل الكرم وأعمه ، فقال : أتقاهم لله . وهذا كقوله سبحانه : إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

                                                                                                                              وقد تقدم : أن أصل الكرم : كثرة الخير . ومن كان متقيا ، كان كثير الخير ، وكثير الفائدة في الدنيا ، وصاحب الدرجات العلى في الآخرة .

                                                                                                                              فلما قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : يوسف ، الذي جمع خيرات الآخرة والدنيا ، وشرفهما .

                                                                                                                              فلما قالوا : ليس عن هذا نسأل ، فهم أن مرادهم : قبائل العرب .

                                                                                                                              فقال : خيارهم .. الخ .

                                                                                                                              ومعناه : أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق ، في الجاهلية : إذا أسلموا وفقهوا : فهم خيار الناس .

                                                                                                                              قال عياض : قد تضمن الحديث في الأجوبة الثلاثة : أن الكرم كله ؛ عمومه وخصوصه ، ومجمله ومبينه ، إنما هو الدين : من التقوى ، والنبوة ، والإعراق فيها، والإسلام مع الفقه. أي : مع فهم الكتاب [ ص: 247 ] والسنة ، دون الفقه الذي اصطلح عليه عامة الناس ، واتخذوه دينا قويما ، وصراطا مستقيما .

                                                                                                                              وهذا الحديث : حجة في تقديم الحسب الحسن ، على النسب المجرد عن الدين والعلم . فإن اجتمع لأحد : النسب الرفيع ، مع الحسب الشريف : فهو نور على نور . والله يهدي لنوره من يشاء . ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .


                                                                                                                              ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا لا بارك الله في الدنيا بلا دين

                                                                                                                              .




                                                                                                                              الخدمات العلمية