الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4423 (باب منه)

                                                                                                                              وأورده النووي ، في (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 177، 178 ج 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي حازم، أخبرني سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال -يوم خيبر- "لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله" . قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم: أيهم يعطاها؟

                                                                                                                              قال: فلما أصبح الناس، غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كلهم يرجون أن يعطاها. فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقالوا: هو يا رسول الله! يشتكي عينيه. قال: "فأرسلوا إليه" . فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له؛ فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله! أقاتلهم [ ص: 327 ] حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: "انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه. فوالله! لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم") .


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن سهل بن سعد ، رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ قال - يوم خيبر - : "لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله" . قال : فبات الناس يدوكون) بالدال والكاف . أي : يخوضون . هكذا هو في معظم النسخ ، والروايات : بضم الدال . أي : يتحدثون في ذلك .

                                                                                                                              وفي بعض النسخ : "يذكرون" بإسكان الذال ، والراء: (ليلتهم أيهم يعطاها ؟ قال : فلما أصبح الناس ؛ غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كلهم يرجو، أن يعطاها . فقال : "أين علي بن أبي طالب؟" فقالوا : هو يا رسول الله ! يشتكي عينيه . قال : "فأرسلوا إليه . فأتي به ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم : في عينيه ، ودعا له : فبرأ ، حتى كأن لم يكن به وجع) فيهما ، بل لم يرمد ، ولم يصدع بعد .

                                                                                                                              [ ص: 328 ] (فأعطاه الراية ، فقال علي ، رضي الله عنه: يا رسول الله ! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟) أي : مسلمين . (قال : انفذ) بضم الفاء . أي : امض (على رسلك) بكسر الراء . أي : على هيئتك (حتى تنزل بساحتهم) أي : بفنائهم . (ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم : بما يجب عليهم من حق الله فيه) أي : في الإسلام .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : "قال: قاتلهم حتى يشهدوا : أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . فإذا فعلوا ذلك ، فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم : إلا بحقها ، وحسابهم على الله" .

                                                                                                                              (فوالله ! لأن يهدي الله بك رجلا واحدا ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم) تتصدق بها . وهي الإبل الحمر . وهي أنفس أموال العرب . يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وأنه ليس هناك أعظم منه .

                                                                                                                              وقد تقرر : أن تشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا ، إنما هو للتقريب من الأفهام . وإلا فذرة من الآخرة الباقية خير من الأرض بأسرها ، وأمثالها معها ، لو تصورت .

                                                                                                                              وفي هذا الحديث : بيان فضيلة العلم ، والدعاء إلى الهدى ، وسن السنن الحسنة .

                                                                                                                              قال النووي : وفيه معجزات ظاهرات ، لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قولية ، وفعلية [ ص: 329 ] فالقولية : إعلامه بأن الله تعالى : يفتح على يديه ، فكان كذلك .

                                                                                                                              والفعلية : بصاقه في عينه - وكان أرمد - ، فبرأ من ساعته .

                                                                                                                              وفيه : فضائل ظاهرة ، لعلي "عليه السلام" ، وبيان شجاعته ، وحسن مراعاته لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحبه الله ورسوله ، وحبهما إياه .

                                                                                                                              وفيه : الدعاء إلى الإسلام ، قبل القتال . وقد قال بإيجابه : طائفة على الإطلاق .

                                                                                                                              ومذهب الشافعية ، ومذهب آخرين : أنهم ، إن كانوا ممن لم تبلغهم دعوة الإسلام : وجب إنذارهم ، قبل القتال . وإلا ، فلا يجب ، لكن يستحب . وليس في هذا : ذكر الجزية ، وقبولها : إذا بذلوها . ولعله كان قبل نزول آية الجزية .

                                                                                                                              وفيه : دليل على قبول الإسلام ، سواء كان في حال القتال ، أم في غيره . وحسابه على الله تعالى .

                                                                                                                              معناه : أنا ننكف عنه في الظاهر . وأما بينه وبين الله تعالى ؛ فإن كان صادقا ، مؤمنا بقلبه : نفعه ذلك في الآخرة ، ونجا من النار ، كما نفعه في الدنيا . وإلا فلا ينفعه . بل يكون منافقا ، من أهل النار .

                                                                                                                              وفيه : أنه يشترط في صحة الإسلام : النطق بالشهادتين . فإن كان أخرس، أو في معناه : كفته الإشارة إليهما . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية