الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4487 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (الباب المذكور) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 5، 6 ج 16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن عائشة ، قالت: كن أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم: عنده لم يغادر منهن واحدة. فأقبلت فاطمة تمشي، ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم: شيئا فلما رآها: رحب بها، فقال: "مرحبا بابنتي" . ثم أجلسها عن يمينه -أو عن شماله-، ثم سارها: فبكت بكاء شديدا. فلما رأى جزعها: سارها الثانية: فضحكت.

                                                                                                                              [ ص: 368 ] فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه: بالسرار، ثم أنت تبكين؟!

                                                                                                                              فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألتها: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

                                                                                                                              قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره.

                                                                                                                              قالت: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحق: لما حدثتني: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم!

                                                                                                                              فقالت: أما الآن، فنعم. أما حين سارني (في المرة الأولى) : فأخبرني: "أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة: مرة -أو مرتين- وإنه عارضه الآن: مرتين. وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب. فاتقي الله واصبري، فإنه: نعم السلف أنا لك" . قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت.

                                                                                                                              فلما رأى جزعي: سارني الثانية، فقال: "يا فاطمة! أما ترضي أن تكوني: سيدة نساء المؤمنين؟ -أو سيدة نساء هذه الأمة؟-" قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت


                                                                                                                              . )

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة ، رضي الله عنها، قالت : كن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ عنده ، لم يغادر منهن واحدة . فأقبلت فاطمة ، رضي [ ص: 369 ] الله عنها، تمشي ، ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ شيئا . فلما رآها: رحب بها ؛ فقال : "مرحبا بابنتي" . ثم أجلسها عن يمينه - أو عن شماله - ثم سارها) بتشديد الراء : (فبكت بكاء شديدا ، فلما رأى جزعها : سارها الثانية : فضحكت . فقلت لها : خصك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من بين نسائه : بالسرار ، ثم أنت تبكين ؟! فلما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سألتها : ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالت : ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سره) .

                                                                                                                              وما ألطف ما قال بعض "العرفاء" ، في مثل هذا المقام :


                                                                                                                              ومستخبر عن سر ليلى كتمته بعمياي عن ليلى بعين يقين يقولون خبرنا فأنت أمينها
                                                                                                                              وما أنا إن خبرتهم بأمين



                                                                                                                              (قالت : فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قلت : عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتني : ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم . فقالت : أما الآن ، فنعم ؛ أما حين سارني -في المرة الأولى-: فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة : مرة أو مرتين) . هكذا وقع في هذه الرواية . وذكر "المرتين" : [ ص: 370 ] شك من بعض الرواة . والصواب : حذفها ، كما في باقي الروايات .

                                                                                                                              (وإنه عارضه الآن : مرتين . وإني لا أرى) بضم الهمزة . أي : أظن (الأجل : إلا قد اقترب . فاتقي الله واصبري ، فإنه : نعم السلف أنا لك) . أي : المتقدم . أي : أنا متقدم قدامك ، فتردين علي . (قالت : فبكيت بكائي الذي رأيت . فلما رأى جزعي : سارني الثانية ، فقال : يا فاطمة ! أما ترضي) .

                                                                                                                              هكذا هو في النسخ : "ترضي" وهو لغة . والمشهور : "ترضين" (أن تكوني : سيدة نساء المؤمنين؟ - أو سيدة نساء هذه الأمة ؟ - قالت : فضحكت ضحكي الذي رأيت) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى بلفظ : "سارني ؛ فأخبرني بموته : فبكيت. ثم سارني ؛ فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله : فضحكت" .

                                                                                                                              قال النووي : هذه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وآله وسلم . بل معجزتان ، فأخبر ببقائها بعده ، وبأنها أول أهله لحاقا به.

                                                                                                                              وضحكت سرورا بسرعة لحاقها .

                                                                                                                              وفيه : إيثارهم الآخرة ، وسرورهم بالانتقال إليها ، والخلاص من الدنيا . انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 371 ] وفيه : أن فاطمة "رضي الله عنها" ؛ أعطاها الله سبحانه -على لسان نبيه- : سيادة نساء هذه الأمة بأسرها . أي امرأة كانت .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى ، عند البخاري ، مرفوعا : "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة" وهذه منقبة لا تساويها منقبة ، وفضيلة لا توازنها فضيلة . والله يختص برحمته من يشاء .

                                                                                                                              اللهم! اغفر لي خطيئتي يوم الدين ، وألحقني بأمي "فاطمة" في دار السلام، آمين .




                                                                                                                              الخدمات العلمية