الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 383 ] [بكاء جواريه

وقال سهل بن صدقة: (لما استخلف عمر ... سمع في منزله بكاء، فسألوا عن ذلك، فقالوا: إن عمر خير جواريه، فقال: قد نزل بي أمر قد شغلني عنكم، فمن أحب أن أعتقه... أعتقته، ومن أحب أن أمسكه... أمسكته إن لم يكن مني إليها شيء، فبكين إياسا منه).

وقالت فاطمة امرأته: (كان عمر إذا دخل البيت... ألقى نفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع).

وقال الوليد بن أبي السائب: (ما رأيت أحدا قط أخوف من عمر).

وقال سعيد بن سويد: (صلى عمر بالناس الجمعة - وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه - فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعطاك فلو لبست؟ فنكس مليا، ثم رفع رأسه فقال: إن أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند القدرة).

وقال ميمون بن مهران: (سمعت عمر يقول: لو أقمت فيكم خمسين عاما... ما استكملت فيكم العدل؛ إني لأريد الأمر فأخاف ألا تحمله قلوبكم، فأخرج معه طمعا من الدنيا، فإن أنكرت قلوبكم هذا... سكنت إلى هذا).

وقال إبراهيم بن ميسرة: (قلت لطاووس: هو المهدي - يعني: عمر بن عبد العزيز - قال: هو مهدي، وليس به؛ إنه لم يستكمل العدل كله).

[ ص: 384 ] وقال عمر بن أسيد: (والله؛ ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله، قد أغنى عمر الناس).

وقال جويرية: (دخلنا على فاطمة بنة علي بن أبي طالب، فأثنت على عمر بن عبد العزيز، وقالت: لو كان بقي لنا... ما احتجنا بعد إلى أحد).

وقال عطاء بن أبي رباح: (حدثتني فاطمة امرأة عمر: أنها دخلت عليه وهو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته، فقلت: يا أمير المؤمنين؛ ألشيء حدث؟

قال: يا فاطمة؛ إني تقلدت من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ أسودها وأحمرها؛ فتفكرت في: الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد؛ فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة؛ فخشيت ألا تثبت لي حجة؛ فبكيت).

التالي السابق


الخدمات العلمية