الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[وفاة المعتضد ورثاؤه ]

اعتل المعتضد في ربيع الآخر ، سنة تسع وثمانين علة صعبة ، وكان مزاجه قد تغير من كثرة إفراطه في الجماع ، ثم تماثل ، فقال ابن المعتز :


طار قلبي بجناح الوجيب جزعا من حادثات الخطوب     وحذرا أن يشاك بسوء
أسد الملك وسيف الحروب

ثم انتكس ، مات يوم الاثنين ، لثمان بقين منه .

[ ص: 579 ] وحكى المسعودي قال : (شكوا في موت المعتضد ، فتقدم إليه الطبيب وجس نبضه ، ففتح عينيه ، ورفس الطبيب برجله ، فدحاه أذرعا ، فمات الطبيب ، ثم مات المعتضد من ساعته ) .

ولما احتضر . . . أنشد :


تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى     وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا
ولا تأمنن الدهر ، إني أمنته     فلم يبق لي حالا ، ولم يرع لي حقا




قتلت صناديد الرجال فلم أدع     عدوا ، ولم أمهل على ظنة خلقا
وأخليت دور الملك من كل بازل     وشتتهم غربا ، ومزقتهم شرقا
فلما بلغت النجم عزا ورفعة     ودانت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رماني الردى سهما فأخمد جمرتي     فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ملقى
فأفسدت دنياي وديني سفاهة     فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى ؟
فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى     إلى نعمة لله أم ناره ألقى ؟

ومن شعر المعتضد :


يا لاحظي بالفتور والدعج     وقاتلي بالدلال والغنج
أشكو إليك الذي لقيت من الـ     ـوجد فهل لي إليك من فرج ؟
حللت بالطرف والجمال من الـ     ـناس محل العيون والمهج

وله ، أنشد الصولي :


لم يلق من حر الفراق     أحد كما أنا منه لاق
يا سائلي عن طعمه     ألفيته مر المذاق
جسمي يذوب ومقلتي     عبرى وقلبي ذو احتراق
[ ص: 580 ] ما لي أليف بعدكم     إلا اكتئابي واشتياقي
فالله يحفظكم جميـ     ـعا في مقام وانطلاقي

ولابن المعتز يرثيه :


يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا     وأنت والد سوء تأكل الولدا
أستغفر الله بل ذا كله قدر ،     رضيت بالله ربا واحدا صمدا
يا ساكن القبر في غبراء مظلمة     بالظاهرية مقصى الدار منفردا
أين الجيوش التي قد كنت تسحبها ؟     أين الكنوز التي أحصيتها عددا ؟
أين السرير الذي قد كنت تملؤه     مهابة من رأته عينه ارتعدا ؟
أين الأعادي الألى ذللت مصعبهم ؟     أين الليوث التي صيرتها بددا ؟
أين الجياد التي حجلتها بدم     وكن يحملن منك الضيغم الأسدا ؟
أين الرماح التي غذيتها مهجا     مذ مت ما وردت قلبا ولا كبدا ؟
أين الجنان التي تجري جداولها     وتستجيب إليها الطائر الغردا ؟
أين الوصائف كالغزلان رائحة     يسحبن من حلل موشية جددا ؟
أين الملاهي؟ وأين الراح تحسبها     ياقوتة كسيت من فضة زردا ؟
أين الوثوب إلى الأعداء مبتغيا     صلاح ملك بني العباس إذ فسدا ؟
ما زلت تقسر منهم كل قسورة     وتحبط العالي الجبار معتمدا
ثم انقضيت فلا عين ولا أثر     حتى كأنك يوما لم تكن أحدا



التالي السابق


الخدمات العلمية