الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[إنكار القاضي كتابا جمع الرخص فأحرق ]

وقال إسماعيل القاضي : (دخلت على المعتضد وعلى رأسه أحداث صباح الوجوه روم ، فنظرت إليهم ، فلما أردت القيام . . . قال لي : أيها القاضي; والله ما حللت سراويلي على حرام قط ) .

ودخلت مرة فدفع إلي كتابا ، فنظرت فيه ، فإذا قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء ، فقلت : (مصنف هذا زنديق ، فقال : أمختلق ؟ قلت : لا; ولكن من أباح المسكر . . . لم يبح المتعة ، ومن أباح المتعة . . . لم يبح الغناء ، وما من عالم إلا وله زلة ، ومن أخذ بكل زلل العلماء . . . ذهب دينه ، فأمر بالكتاب فأحرق ) .

وكان المعتضد شهما ، جلدا موصوفا بالرجلة ، قد لقي الحروب وعرف فضله ، فقام بالأمر أحسن قيام ، وهابه الناس ، ورهبوه أعظم رهبة ، وسكنت الفتن في أيامه; لفرط هيبته .

وكانت أيامه طيبة ، كثيرة الأمن والرخاء .

وكان قد أسقط المكوس ، ونشر العدل ، ورفع الظلم عن الرعية .

وكان يسمى السفاح الثاني; لأنه جدد ملك بني العباس ، وكان قد خلق وضعف ، وكاد يزول ، وكان في اضطراب من وقت قتل المتوكل .

[ ص: 573 ] وفي ذلك يقول ابن الرومي يمدحه :

هنيئا بني العباس إن إمامكم إمام الهدى والبأس والجود أحمد     كما بأبي العباس أنشئ ملككم
كذا بأبي العباس أيضا يجدد     إمام يظل الأمس يعمل نحوه
تلهف ملهوف ويشتاقه الغد

وقال في ذلك ابن المعتز أيضا :


أما ترى ملك بني هاشم     عاد عزيزا بعد ما ذللا
يا طالبا للملك كن مثله     تستوجب الملك ، وإلا فلا



وفي أول سنة استخلف فيها : منع الوراقين من بيع كتب الفلاسفة وما شاكلها ، ومنع القصاص والمنجمين من القعود في الطريق ، وصلى بالناس صلاة الأضحى ، فكبر في الأولى ستا وفي الثانية واحدة ، ولم تسمع منه الخطبة .

وفي سنة ثمانين دخل داعي المهدي إلى القيروان ، وفشا أمره ، ووقع القتال بينه وبين صاحب إفريقية ، وصار أمره في زيادة .

وفيها : ورد كتاب من الدبيل أن القمر كسف في شوال ، وأن الدنيا أصبحت مظلمة إلى العصر فهبت ريح سوداء ، فدامت إلى ثلث الليل ، وأعقبها زلزلة عظيمة أذهبت عامة المدينة ، فكان عدة من أخرج من تحت الردم : مائة ألف وخمسين ألفا .

[ ص: 574 ] وفي سنة إحدى وثمانين : فتحت ملورية في بلاد الروم .

وفيها : غارت مياه الري وطبرستان ، حتى أبيع الماء ثلاثة أرطال بدرهم ، وقحط الناس وأكلوا الجيف .

وفيها : هدم المعتضد دار الندوة بمكة ، وصيرها مسجدا إلى جانب المسجد الحرام .

وفي سنة اثنتين وثمانين : أبطل ما يفعل في النيروز; من وقيد النيران ، وصب الماء على الناس وأزال سنة المجوس .

وفيها : زفت إليه قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون ، فدخل عليها في ربيع الأول ، وكان في جهازها أربعة آلاف تكة مجوهرة ، وعشرة صناديق جوهر .

وفي سنة ثلاث وثمانين : كتب إلى الآفاق بأن يورث ذوو الأرحام ، وأن يبطل ديوان المواريث ، وكثر الدعاء للمعتضد .

وفي سنة أربع : ظهرت بمصر حمرة عظيمة ، حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الرجل فيراه أحمر ، وكذا الحيطان ، فتضرع الناس بالدعاء إلى الله تعالى ، وكانت من العصر إلى الليل .

قال ابن جرير : (وفيها : عزم المعتضد على لعنة معاوية على المنابر ، [ ص: 575 ] فخوفه عبيد الله الوزير اضطراب العامة ، فلم يلتفت ، وكتب كتابا في ذلك : ذكر فيه كثيرا من مناقب علي وثلب معاوية ، فقال له القاضي يوسف : يا أمير المؤمنين; أخاف الفتنة عند سماعه ، فقال : إن تحركت العامة . . . وضعت السيف فيها ، قال : فما تصنع بالعلويين الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك ؟ وإذا سمع الناس هذا من فضائل أهل البيت . . . كانوا إليهم أميل فأمسك المعتضد عن ذلك ) .

وفي سنة خمس : هبت ريح صفراء بالبصرة ، ثم صارت خضراء ، ثم صارت سوداء ، وامتدت في الأمصار ، ووقع عقبها برد وزن البردة مائة وخمسون درهما ، وقلعت الريح نحو ستمائة نخلة ، ومطرت قرية حجارة سودا وبيضا .

وفي سنة ست : ظهر بالبحرين أبو سعيد القرمطي وقويت شوكته - وهو أبو أبي طاهر سليمان الذي يأتي أنه قلع الحجر الأسود - ، ووقع القتال بينه وبين عسكر الخليفة ، وأغار على البصرة ونواحيها ، وهزم جيش الخليفة مرات .

[وفي سنة سبع : خرجت طيئ على الركب العراقي ليأخذوه أيضا ، فقاتلهم أمير الركب أبو الأغر يوما وليلة فنصره الله ، وقتل صالح أمير العرب ، وأسر من قومه خلق كثير ، ودخل الحجاج بالأسرى وبالرؤوس على الرماح .

[ ص: 576 ] وفي سنة ثمان : ظهر أبو عبد الله الشيعي بالمغرب ، فدعا قبيلة كنانة إلى الإمام المهدي ، فاستجابوا ، فهذا أول ظهور العبيدية الذين صاروا ملوك ديار مصر .

وفي سنة تسع : خرج بالشام ابن زكرويه القرمطي ، وقصد أخذ دمشق ، فحاربه متوليها الأمير طغج غير مرة ، ثم قتل القرمطي .

وفيها : وثبت طيئ وأميرهم صالح بن مدرك ، فانتهبوا الركب العراقي ، فذهب للحجاج فيه ما قيمته ألف ألف مثقال ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية