الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن حلف لا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو رمانا أو رطبا أو قثاء أو خيارا لم يحنث ، وإن أكل تفاحا أو بطيخا ومشمشا حنث ، [ ص: 129 ] وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله . وقال أبو يوسف ومحمد : حنث في العنب والرطب والرمان أيضا ) والأصل أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده : أي يتنعم به زيادة على المعتاد ، والرطب واليابس فيه سواء بعد أن يكون التفكه به معتادا حتى لا يحنث بيابس البطيخ ، وهذا المعنى موجود في التفاح وأخواته فيحنث بها وغير موجود في القثاء والخيار لأنهما من البقول بيعا وأكلا فلا يحنث بهما . وأما العنب والرطب والرمان فهما يقولان إن معنى التفكه موجود فيها فإنها أعز الفواكه والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها ، وأبو حنيفة رحمه الله يقول : إن هذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها فأوجب قصورا في معنى التفكه للاستعمال في حاجة البقاء ولهذا كان اليابس منها من التوابل أو من الأقوات .

التالي السابق


( قوله ومن حلف لا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو رمانا أو رطبا أو قثاء أو خيارا لم يحنث ، وإن أكل تفاحا أو بطيخا أو مشمشا حنث ) [ ص: 129 ] وكذا يحنث بالخوخ والسفرجل والإجاص والكمثرى ، وهذا التفصيل عند أبي حنيفة . وقال أبو يوسف ومحمد : يحنث في العنب والرطب والرمان أيضا ، والأصل المتفق عليه أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده : أي يتنعم ويتلذذ به زيادة على المعتاد من الغذاء الأصلي ولهذا يقال النار فاكهة الشتاء والمزاح فاكهة والرطب واليابس فيه : أي في معنى التفكه سواء بعد أن يكون التفكه به معتادا في الحالين ، فإن خصت العادة التفكه بإحدى الحالتين دون الأخرى كالبطيخ فإنها خصت التفكه به في حال رطوبته دون حال يبسه لم يحنث بأكله يابسا ، وهذا معنى : أي معنى التفكه بأن يؤكل زيادة على الغذاء موجود في التفاح والبطيخ والمشمش فيحنث بها اتفاقا وغير موجود في القثاء والخيار لأنهما من البقول بيعا وأكلا حتى يوضعان على المائدة كما يوضع البقل ونحوه فلا يحنث بهما اتفاقا ، وأما العنب والرطب والرمان وهي محل الخلاف فوجه قولهما أن معنى التفكه موجود فيها بل هي أعز الفواكه ، والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها من الفواكه فيحنث بها ، وأبو حنيفة يقول : هي مما يتغذى بها منفردة حتى يستغنى بها في الجملة في قيام البدن ومقرونة مع الخبز ويتداوى ببعضها كالرمان في بعض عوارض البدن ، ولا ينكر أنها يتفكه بها ، ولكن لما كانت قد تستعمل أصالة لحاجة البقاء قصر معنى التفكه فلا يحنث بأحدها إلا أن ينويه فيحنث بالثلاثة اتفاقا ، ولهذا كان اليابس منها من التوابل كحب الرمان ومن الأقوات وهو التمر والزبيب .

والمشايخ قالوا : هذا اختلاف زمان ، ففي زمانه لا يعدونها من الفواكه فأفتى على حسب ذلك [ ص: 130 ] وفي زمانهما عدت منها فأفتيا به . فإن قيل : الاستدلال المذكور لأبي حنيفة يخالف هذا الجمع ، فإن مبنى هذا العرف ، والاستدلال المذكور صريح في أن مبناه اللغة حيث قال الفاكهة ما يتفكه به ، ولا شك أن ذلك لغة ، والتفكه بالشيء ما يتنعم به زيادة على المحتاج إليه أصالة ، وهذا معنى اللغة ، واستعمال العنب وأخويه ليس كذلك دائما فقصر إلخ أمكن الجواب بجواز كون العرف وافق اللغة في زمنه ثم خالفها في زمانهما . فإن قيل : وفيه دليل على عدم ما ذكر آنفا من أن المعتبر اللغة إلا أن لا يمكن فيعتبر العرف ، فإن هذا يدل على عدم اعتبارهما ذلك ، فالجواب أنه غير لازم لجواز أن يمنعا كون الاستقلال به أحيانا بالنسبة إلى بعض الناس يؤثر في نقص كونه مما يتفكه به .




الخدمات العلمية