الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا قال أول عبد اشتريه فهو حر فاشترى عبدا عتق ) لأن الأول اسم لفرد سابق ( فإن اشترى عبدين معا ثم آخر لم يعتق واحد منهم ) لانعدام التفرد في الأولين والسبق في الثالث فانعدمت الأولية ( وإن قال أول عبد أشتريه وحده فهو حر عتق الثالث ) لأنه يراد به التفرد في حالة الشراء لأن وحده للحال لغة والثالث سابق في هذا الوصف ( وإن قال آخر عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا ثم مات لم يعتق ) لأن الآخر اسم لفرد لاحق ولا سابق له فلا يكون لاحقا ( ولو اشترى عبدا ثم عبدا ثم مات عتق الآخر ) لأنه فرد لاحق فاتصف بالآخرية ( ويعتق يوم اشتراه عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يعتبر من جميع المال ، وقالا : يعتق يوم مات ) [ ص: 164 ] حتى يعتبر من الثلث لأن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده وذلك يتحقق بالموت فكان الشرط متحققا عند الموت فيقتصر عليه . ولأبي حنيفة أن الموت معرف فأما اتصافه بالآخرية فمن وقت الشراء فيثبت مستندا ، وعلى هذا الخلاف تعليق الطلقات الثلاث به ، وفائدته تظهر في جريان الإرث وعدمه

التالي السابق


( قوله وإذا قال أول عبد اشتريه فهو حر ) فاشترى عبدا عتق لأن الأول اسم لفرد سابق فتحقق بشرائه شرط العتق فيعتق ، فإن اشترى عبدين معا ثم آخر لم يعتق واحد منهم لانعدام التفرد في الأولين والسبق في الثالث فانعدمت الأولية فيه ، ولو كان قال أول عبد أشتريه وحده فهو حر عتق الثالث لأنه يراد به التفرد به في حالة الشراء لأن وحده للحال لغة فيقيد عامله وهو الشراء بمعناه فيفيد أن الشراء في حال تفرد المشتري وهو صادق في الثالث فيعتق ، بخلاف ما لو قال أول عبد أملكه واحدا لا يعتق الثالث لأن واحدا يحتمل التفرد في الذات فيكون حالا مؤكدة لأن الواقع كونه كذلك في ذاته فلا يعتق لأن كلا من الأولين كذلك فإنه أول بهذا المعنى فإنه في ذاته فرد واحد وسابق على من يكون بعده فلم يكن الثالث أولى بهذا المعنى ، ويلزم على هذا أنه لو قصد هذا المعنى يعتق كل من الاثنين السابقين ، ويحتمل كونه بمعنى الانفراد في تعلق الفعل به فتكون مؤسسة فيعتق لأنه المنفرد في تعلق الفعل ، بخلاف الأولين فلا يعتق بالشك .

وقيل لأنه يحتمل أن يكون حالا من العبد وأن يكون حالا من المالك : أي حال كوني منفردا فلا يعتق بالشك ، إليه أشار شمس الأئمة وقاضي خان ( قوله وإن قال آخر عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا ومات المولى لم يعتق لأن الآخر فرد لاحق ) والفرض أن لا سابق لهذا [ ص: 164 ] العبد فلا يكون لاحقا فلم يتحقق مناط العتق فلم يعتق ، وهذه المسألة مع التي تقدمت تحقق أن المعتبر في تحقق الآخرية وجود سابق بالفعل ، وفي الأولية عدم تقدم غيره لا وجود آخر متأخر عنه ، وإلا لم يعتق المشتري في قوله أول عبد أشتريه فهو حر إذ لم يشتر بعده غيره ، ولو اشترى عبدا ثم عبدا في قوله آخر عبد أشتريه فهو حر ثم مات المولى عتق الآخر اتفاقا لأنه فرد لاحق لم يعقبه غيره . واختلفوا في وقت عتقه ، فقال أبو حنيفة : يعتق من يوم اشتراه حتى يعتبر عتقه من جميع المال إن كان اشتراه في الصحة وإلا عتق من الثلث ، وقالا : يعتق يوم مات المولى حتى يعتبر عتقه من الثلث سواء اشتراه في الصحة أو المرض .

وجه قولهما أن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده إلى الموت فصار كأنه قال : إن لم أشتر بعدك آخر فأنت حر ، ولو قاله كان الشرط متحققا عند الموت فيقتصر عليه فكذا إذا كان معناه ثابتا ولأبي حنيفة أن الموت معرف للشرط وليس بشرط ، وإنما الشرط اتصافا بالآخرية ، وهذه الصفة حصلت له من وقت الشراء ، إلا أن هذه الصفة بعرضية الزوال بأن يشتري بعده غيره ، فإذا مات ولم يشتر تبين أنه كان آخرا من وقت الشراء فتبين به أنه عتق من ذلك الوقت ، كما لو قال لامرأته إن حضت فأنت طالق فرأت الدم لا يحكم بطلاقها في الحال بل حتى يمتد ثلاثة أيام ، فإذا امتد ظهر أنها طلقت حين رأت الدم حيث ظهر أن ذلك الدم كان حيضا وكون صفة الآخرية إنما تثبت بعدم شراء غيره وأن العدم لا يتحقق إلا بالموت صحيح ، لكنه لم يجعل الشرط عدم الشراء بل أمر آخر لا يتحقق ظهوره إلا به فلا يقع عنده مقتصرا إلا لو كان هو نفس الشرط ، فإذا كان المظهر لتحقق الشرط ثبت عنده مستندا ، وعلى هذا الخلاف إذا قال آخر امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا فتزوج امرأة ثم أخرى ثم مات يقع عند الموت مقتصرا عندهما ومستندا عنده .

وفائدته : أي فائدة هذا الخلاف تظهر في حرمان الإرث وعدمه ; فعندهما ترث لأنه يجعل فارا حيث حكما بطلاقها في آخر نفس من حياته ويلزمه مهر واحد إن كان دخل بها ، وكذا إن لم يكن دخل بها لانتهاء النكاح بالموت ، وتعتد عدة الوفاة والطلاق عند محمد ، وعند أبي يوسف عدة الطلاق لا غير ، ولو كان الطلاق رجعيا كان عليها عدة [ ص: 165 ] الوفاة ، وعنده لا ترث لأنها طلقت ثلاثا وقت تزوجها ، حتى لو دخل بها لزمه مهر بالدخول ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول وتعتبر عدة الطلاق ، وهذا بخلاف قوله إن لم أتزوج عليك ، فإنه إذا مات يقتصر طلاقها على الحال بالاتفاق لأنه صرح بكون الشرط عدم التزوج وهو أن يموت قبله فيتحقق به الشرط ، وليس مثل الأول لأن مع آخر جزء من حياته آخر جزء من العدم المجعول شرطا فلم يكن العدم السابق تمام الشرط ، إذ ما لم يتم آخر الشرط لا يتحقق الشرط ، بخلاف الآخرية فإنها تتم بذلك الشرط إلى آخر ما ذكرناه .

ولو قال آخر امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوجها ثم أخرى ثم طلق الأولى وتزوجها ثم مات لم تطلق هي وتطلق التي تزوجها مرة ، لأن التي أعاد عليها التزوج اتصفت بالأولية فلا تتصف بالآخرية ، كقوله آخر عبد أضربه وضرب عبدا ثم آخر ثم أعاد الضرب على الأول ثم مات عتق الذي ضربه ثانيا لا المعاد عليه




الخدمات العلمية