الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكذا قوله وعهد الله وميثاقه ) لأن العهد يمين . قال الله تعالى { وأوفوا بعهد الله } والميثاق عبارة عن [ ص: 76 ] العهد

التالي السابق


( قوله : وكذا قوله وعهد الله وميثاقه ) يعني إذا أطلق عندنا ، وكذا عند مالك وأحمد ، وعند الشافعي لا يكون يمينا إلا بالنية ; لأن العهد والميثاق [ ص: 76 ] يحتمل العبادات فلا يكون يمينا بغير النية وقوله تعالى { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان } لا يفيد أن العهد يمين لجواز كونهما شيئين : الأمر بالإيفاء بالعهد ، والنهي عن نقض الأيمان المؤكدة بأي معنى فرض النقض فاستدلالهم على أنها عين لا يتم ، وهذا ; لأن إيجاب الوفاء بالعهد لا يستلزم إيجاب الكفارة بإخلاف ما عقد عليه إلا لو ثبت في مكان آخر في الشرع أنه كذلك . قلنا : إن أهل التفسير لما جعلوا المراد بالأيمان هي العهود المتقدم ذكرها أو ما هو في ضمنها وجب الحكم باعتبار الشرع إياها يمينا ، وإن لم يكن حلفا بصفة الله تعالى كما حكم بأن أشهد يمينا وإن لم يكن فيه ذلك ، وأيضا غلب الاستعمال لهما في معنى اليمين فيصرفان إليه فلا يصرفهما عنه إلا نية عدمه .

فالحالات ثلاثة : إذا نوى اليمين أو لم ينو يمينا ولا غيره فهو يمين ، وإن قصد غير اليمين فليس بيمين فيما بينه وبين الله تعالى ، وكذا الذمة والأمانة كأن يقول : وذمة الله أو وأمانة الله لأفعلن . واستدل على كونها يمينا بأنه صلى الله عليه وسلم { كان إذا بعث جيشا يقول إذا حاصرتم أهل حصن أو مدينة فأرادوكم على أن تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تعطوهم } فدل على أنما يمين .

ولا يخفى أنه لا يستلزم ذلك ، والميثاق بمعنى العهد وكذا الذمة . ولهذا يسمى الذمي معاهدا ، والأمانة على هذا الخلاف . فعندنا ومالك وأحمد هو يمين ، وعند الشافعي بالنية ; لأنها فسرت بالعبادات . قلنا : غلب إرادة اليمين بها إذا ذكرت بعد حرف القسم فوجب عدم توقفها على النية للعادة الغالبة . واعلم أن في سنن أبي داود من حديث بريدة عنه صلى الله عليه وسلم { من حلف بالأمانة فليس منا } فقد يقال إنه يقتضي عدم كونه يمينا . والوجه أنه إنما يقتضي منع الحلف به ، ولا يستلزم ذلك أنه لا يقتضي الكفارة عند الحنث ، والله أعلم .

ولو قال علي عهد الله وأمانته وميثاقه ولا نية له فهو يمين عندنا ومالك وأحمد ولو حنث لزمته كفارة واحدة . وحكي عن مالك يجب عليه بكل لفظ كفارة ; لأن كل لفظ يمين بنفسه ، وهو قياس مذهبنا إذا كرر الواو ، كما لو قال والله والرحمن والرحيم إلا في رواية الحسن عن أبي حنيفة . وعند الشافعي إذا قصد بكل لفظ يمينا تعددت الأيمان وإلا يكون الجمع بين الألفاظ للتوكيد فتجب كفارة واحدة . قلنا : الواو للعطف وهو موجب للمغايرة .




الخدمات العلمية