الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وولد المدبرة مدبر ) وعلى [ ص: 26 ] ذلك نقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم

التالي السابق


( قوله : وولد المدبرة مدبر ) فيعتق بموت سيد أمه [ ص: 26 ] والمراد ولد المدبرة المطلق ، أما ولد المدبرة تدبيرا مقيدا فلا يكون مدبرا ، هذا هو الصحيح من النسخ ، وفي بعضها : ولد المدبر مدبر ، وليس بصحيح ; لأن الولد يتبع أمه لا أباه ، فإن زوجة المدبر لو كانت حرة كان ولدها حرا ، أو أمة فولدها عبد سواء كان أبوه حرا عبدا مدبرا أو لا ، ثم المراد الولد الذي كانت حاملا به وقت التدبير أو الولد الذي حملت به بعد التدبير ، أما ولدها المولود قبله فلا يصير مدبرا بتدبيرها .

أما الذي كان حملا فبالإجماع كما لو أعتقها وهي حامل وأما الذي حملت ، به بعده ففي قول أكثر أهل العلم وهو المروي عن عمر بن عبد العزيز والزهري والبصري وشريح ومسروق والثوري ومجاهد وقتادة وعطاء وطاووس والحسن بن صالح ومالك وأحمد ، وللشافعي فيه قولان ، قال المصنف : وعلى هذا إجماع الصحابة : يعني الإجماع السكوتي ، فإنه روي عن عمر وابن عمر وعثمان وزيد بن ثابت وجابر وابن مسعود رضي الله عنهم ولم يرو عن غيرهم خلاف ، ولا يخفى أن سريان التدبير إلى الولد على خلاف القياس بالإجماع فلا يقبل فيه إشكال مما ذكر من طرف الشافعي . ولو اختلف المولى والمدبرة في ولدها فقال ولدته قبل التدبير وقالت بعده فالقول للمولى ; لأنها تدعي حق العتق لولدها ، ولو ادعته لنفسها كان القول له مع يمينه فلولدها كذلك والبينة بينتها لإثباتها زيادة حق العتق .

واعلم أنه إذا حلف المولى يحلف على العلم ; لأنه تحليف على فعل الغير وهو ما ادعت من ولادتها بعد التدبير ، وذكره في المبسوط في باب الشهادة في التدبير . واعلم أنه إذا دبر الحمل وحده فإنه جائز كعتقه وحده ، فإن ولدته لأقل من ستة أشهر كان مدبرا وإلا لا ، ولو كانت بين اثنين فدبر أحدهما حملها وولدته لأقل من ستة أشهر فالشريك بالخيار بين التدبير وتضمين المدبر والاستسعاء له بعد أن يقدر على السعاية ، ولو دبر أحدهما ما في بطنها بأن قال ما في بطنك حر بعد موتي وقال الآخر أنت حرة بعد موتي فولدت لأقل من ستة أشهر بعد كلام الأول فالولد مدبر بينهما ; لأنه كان موجودا حين دبر الأول فتدبر نصيبه بتدبيره وتدبير نصيب الآخر بتدبير أمه ، وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر من الأول ولأقل منها من تدبير الأم فالولد كله مدبر للذي دبر الأم ; لأن ثبوت التدبير فيه بطريق التبعية للأم باعتبار أنه كالجزء ، وفي هذا لا ينفصل بعضه عن بعض فكان كله مدبرا للذي دبر الأم ، وأما الأم فنصفها مدبر للذي دبرها وللآخر الخيار بين أن يضمنه نصف قيمتها إن كان موسرا وبين أن يستسعيها فتعتق الأم بضمان والولد المدبر بلا ضمان ; ولأن الضمان إنما يلزمه من حين دبر ، وعلوق الولد بعده في الحكم فلا يثبت فيه حق الشريك ، ألا ترى أنها لو زادت قيمتها في مدة لم يكن للشريك إلا تضمين نصف القيمة وقت التدبير فكذا في الزيادة المنفصلة ، ولأنها صارت في حكم المستسعاة حين ثبت لها حق أن يستسعيها والمستسعاة كالمكاتبة تكون أحق بولدها ، وإذا دبر ما في بطن لم يكن له أن يبيعها ولا يهبها ولا يمهرها .

وذكر في كتاب الهبة من الأصل : إذا أعتق ما في بطن أمته ثم وهبها جازت الهبة ، بخلاف ما لو باعها . وقيل في المسألة روايتان ، والأصح هو الفرق بين التدبير والعتق بأنه إذا دبر ما في البطن لو وهب الأم لا يجوز عتقه ، ولو أعتقه جاز هبتها ; لأن بالتدبير لا يزول ملكه عما [ ص: 27 ] في البطن ، فلو وهب الأم فالموهوب متصل بما ليس بموهوب من ملك الواهب فيكون في معنى هبة المشاع فيما يحتمل القسمة ، وأما بعد عتقه فغير مملوك فلم يتصل الموهوب بملك الواهب فهو كما لو وهب دارا فيها ابن الواهب وسلمها . ولو دبر ما في بطنها فولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر بيوم والآخر لأكثر بيوم فهما مدبران ; لأنهما توأمان وتيقنا بوجود أحدهما حال التدبير في البطن ، ولو دبر ما في بطنها ثم كاتبها جاز ، وإن وضعت بعد هذا لأقل من ستة أشهر كان التدبير في الولد صحيحا لكنه يدخل في الكتابة أيضا تبعا للأم ، فإذا أدت عتقا جميعا ، وإن مات المولى قبل أن تؤدي عتق الولد بالتدبير ، وإن ماتت الأم المولى فعلى الولد أن يسعى فيما على الأم ; لأنه دخل في الكتابة ، فإن مات المولى فالولد بالخيار في اختياره الحرية بالتدبير أو بأداء الكتابة فيختار الأنفع له ، وإن كان خرج من الثلث عتق ولا شيء عليه ; لأن مقصوده حصل . ولو قال لأمته ولدك الذي في بطنك ولد مدبرة أو ولد حرة ولا يريد به عتقا لم تعتق ; لأن هذا تشبيه وليس بتحقيق فكأنه قال أنت مثل الحرة أو المدبرة .




الخدمات العلمية