الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن حلف ليقضين فلانا دينه اليوم فقضاه ثم وجد فلان بعضها زيوفا أو نبهرجة أو مستحقة لم يحنث الحالف ) لأن الزيافة عيب والعيب لا يعدم الجنس ، ولهذا لو تجوز به صار مستوفيا ، [ ص: 199 ] فوجد شرط البر وقبض المستحقة صحيح ولا يرتفع برده البر المتحقق ( وإن وجدها رصاصا أو ستوقة حنث ) لأنهما ليسا من جنس الدراهم حتى لا يجوز التجوز بهما في الصرف والسلم ( وإن باعه بها عبدا وقبضه بر في يمينه ) لأن قضاء الدين طريقه المقاصة وقد تحققت بمجرد البيع فكأنه شرط القبض ليتقرر به [ ص: 200 ] ( وإن وهبها له ) يعني الدين ( لم يبر ) لعدم المقاصة لأن القضاء فعله ، والهبة إسقاط من صاحب الدين .

التالي السابق


( قوله ومن حلف ليقضين فلانا دينه اليوم فقضاه فيه ثم وجد فلان بعضها ) أي بعض الدراهم ( زيوفا ) وهي المغشوشة غشا قليلا بحيث يتجوز التجار بها ، وإنما يرده بيت المال ( أو نبهرجة ) وغشها أكثر من الزيوف يرده من التجار المستقصي ، ويقبله السهل منهم ( أو مستحقه لم يحنث ) بذلك سواء رد بدلها في ذلك اليوم أو لا ; ( لأن الزيف عيب ) وكذا نبهرجة ولفظ الزيافة المذكور في الكتاب غير عربي بل هو من استعمال الفقهاء ( والعيب ) في الجنس ( لا يعدم الجنس ) أي جنس الدراهم ( ولهذا ) أي ولكون وصف الزيافة لا يعدم اسم الدراهم ( لو تجوز بها ) في الصرف : أي لو جعلت بدلا في الصرف بالجياد أو جعلت رأس مال السلم صح مع أن الافتراق عن [ ص: 199 ] غير قبض مفسد لهما ، فعرف أنهما لم ينتف عنهما جنس الدراهم فيبر في اليمين بهما سواء حلف على القبض أو الدفع ( و ) كذا قبض الدراهم ( المستحقة صحيح ) ولذا لو أجاز المالك قبضها جاز ، وإذا بر في دفع هذه المسميات الثلاثة ، فلو رد الزيوف أو النبهرجة أو استردت المستحقة لا يرتفع البر ، وإن انتقض القبض فإنما ينتقض في حق حكم يقبل الانتقاض ، ومثله لو دفع المكاتب هذه الأنواع وعتق فردها مولى المكاتب بسبب أنها زيف أو نبهرجة أو مستحقة لا يرتفع العتق ( ولو كانت رصاصا أو ستوقة حنث ) إذا انقضى اليوم ولم يرد بدلها دراهم . والستوقة المغشوشة غشا زائدا وهو تعريب سي توقة : أي ثلاث طبقات طبقتا الوجهين فضة وما بينهما نحاس ونحوه ; ( لأنها ليست من جنس الدراهم حتى لا يتجوز بها في الصرف والسلم ) ولا يعتق المكاتب بأدائها ، فلو ردها المولى ظهر عدم عتق العبد ( قوله وإن باعه ) أي إن باع الحالف المديون رب الدين الذي حلف ليقضين اليوم دينه في اليوم المحلوف على قضائه فيه ( عبدا وقبضه ) رب الدين ( بر ) المديون ( في يمينه ) ; لأن قضاء الدين لو وقع بالدراهم كان بطريق المقاصة . وهو أن يثبت في ذمة القابض وهو الدائن مضمونا عليه ; لأنه قبضه لنفسه ليتملكه وللدائن مثله على المقبض فيلتقيان قصاصا ، فكذا هنا إذ لا فرق بين الدراهم وغيرها مما يقاصص به فيبر في يمينه بإعطاء العبد قصاصا وهو أن يثبت له في ذمته ثمن العبد وله في ذمته مثلها فيلتقيان قصاصا ، ثم البر وقضاء الدين يحصل بمجرد البيع قبض الدائن العبد أو لا ، حتى لو هلك المبيع في يد المديون الحالف قبل قبض المشتري المبيع انفسخ البيع وعاد الدين ، ولا ينتقض البر في اليمين وإنما نص عليه محمد تأكيدا للبيع ليتقرر الدين على رب الدين ; لأن الثمن وإن وجب بالبيع لكنه على شرف السقوط لجواز أن يهلك المبيع قبل القبض ، ولو كان البيع فاسدا وقبضه ، فإن كانت قيمته تفي بالدين بر وإلا حنث ; لأنه مضمون بالقيمة ، هذا إذا حلف المديون ، وكذا إذا حلف [ ص: 200 ] رب الدين فقال : إن لم أقبض مالي عليك اليوم أو إن لم أستوف . قال محمد ( فإن وهبها له لم يبر ) يعني إذا وهب رب الدين الدراهم الدين في اليوم قبل انقضائه فقبل لم يبر المديون ; لأن شرط البر القضاء ولم يوجد ( لعدم المقاصة ) ولأن فعل المديون والهبة فعل الدائن بالإبراء فلا يكون فعل هذا فعل الآخر . قال في الفوائد الظهيرية : وإذا لم يبر لم يحنث أيضا عندهما لفوات المحلوف عليه : يعني تعذر المحلوف عليه وهو القضاء قبل انقضاء اليوم . وتقدم في مسألة الكوز أن بقاء التصور شرط لبقاء اليمين في اليمين المؤقتة ، وهذه كذلك إذ الكلام هنا في يمين مؤقتة ، وإن كان في الجامع الصغير لم يذكر اليوم . واعترض بعضهم عليه بأنه يستلزم ارتفاع النقيضين ; لأن البر نقيض الحنث فلا يرتفعان ، وهذا غلط ; لأن النقيضين اللذين يجب صدق أحدهما دائما هما في الأمور الحقيقية كوجود زيد وعدمه ، أما في الأمور الشرعية إذا تعلق قيام النقيضين بسبب شرعي فإنما يثبت حكمهما ما دام السبب قائما ، وما نحن فيه ، فإن قيام اليمين سبب لثبوت أحد الأمرين لا محالة من الحنث أو البر شرعا ، فإن فرض انتفاؤه انتفى الحنث والبر كما هو قبل اليمين حيث لا بر ولا حنث ، فإذا فرض ارتفاعه كان الحال كما هو قبل وجوده ، وجميع ما أورد من الاستشهاد مثل قول صاحب الخلاصة لم يحنث في مسألة الكوز ، وقول الكرخي في هذه المسألة لم يحنث لا فائدة فيه ; لأن عدم الحنث متفق عليه ، وإنما يفيده له قالوا بر ولم يحنث ، وكيف يتصور البر وهو بفعل المحلوف عليه ولم يفعل . واعلم أن جواب هذه المسألة : أعني مسألة الهبة مقيد بكون الحالف على يوم بعينه كما أشرنا إلى ذلك ، أما المطلقة بأن حلف ليقضين دينه فأبرأه أو وهبه فلا شك أنه يحنث بالاتفاق ; لأن التصور لا يشترط بقاؤه في اليمين المطلقة بل في الابتداء ، وحين حلف كان الدين قائما فكان تصور البر ثابتا فانعقدت ثم حنث بعد مضي زمن يقدر فيه على القضاء باليأس من البر بالهبة




الخدمات العلمية