الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن لم يقتل القاطع ولم يأخذ مالا وقد جرح اقتص منه فيما فيه القصاص ، وأخذ الأرش منه فيما فيه الأرش وذلك إلى الأولياء ) لأنه لا حد في هذه الجناية فظهر حق العبد وهو ما ذكرناه فيستوفيه الولي ( وإن أخذ مالا ثم جرح قطعت يده ورجله وبطلت الجراحات ) لأنه لما وجب الحد حقا لله سقطت عصمة النفس [ ص: 428 ] حقا للعبد كما تسقط عصمة المال ( وإن أخذ بعد ما تاب وقد قتل عمدا فإن شاء الأولياء قتلوه وإن شاءوا عفوا عنه ) لأن الحد في هذه الجناية لا يقام بعد التوبة للاستثناء المذكور في النص ، ولأن التوبة تتوقف على رد المال ولا قطع في مثله ، فظهر حق العبد في النفس والمال حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو ، [ ص: 429 ] ويجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلكه

التالي السابق


( وإن لم يقتل القاطع ولم يأخذ مالا وقد جرح ) فما كان من جراحة يجري فيها القصاص ( اقتص وما كان لا يجري فيه ذلك لزمه الأرش ) ويعرف ما يقتص به وما لا يقتص في الجنايات إن شاء الله رب العالمين ، وهذا ( لأنه لا حد في هذه الجناية ) من قطع أو قتل ( فظهر حق العبد فيستوفيه الولي وإن أخذ مالا ثم جرح قطعت يده ورجله ) من خلاف ( وبطلت الجراحات ; لأنه لما وجب الحد حقا لله سقطت عصمة النفس ) أي ما حل [ ص: 428 ] بها من تفريق اتصال الجسم بالجراحات ( حقا للعبد كما تسقط عصمة المال ) ولذا تبطل الجراحات إذا قتل فقتل حدا ; لأن الحد والضمان لا يجتمعان ( قوله : وإن أخذ بعدما تاب ) سقط الحد عنه بلا خلاف بالنص .

قال تعالى { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } فإن كان قد قتل ( فإن شاء الأولياء قتلوه وإن شاءوا عفوا عنه ) لأن هذا القتل قصاص فصح العفو عنه والصلح به ، وحينئذ لا بد أن يكون قتل بحديد ونحوه ; لأن القصاص لا يجب إلا به ، ونحوه عند أبي حنيفة ، وكذا إذا كان أخذ مالا ثم تاب فإن صاحبه إن شاء تركه وإن شاء ضمنه إن كان هالكا ويأخذه إن كان قائما لأنه لا يقطع بعد التوبة لسقوط الحد ( فظهر حق العبد في ماله كما في النفس ) وفي المبسوط والمحيط : رد المال من تمام توبتهم لتنقطع به خصومة صاحبه .

ولو تاب ولم يرد المال لم يذكره في الكتاب . واختلفوا فيه فقيل لا يسقط الحد كسائر الحدود لا تسقط بالتوبة ، وقيل يسقط أشار إليه محمد [ ص: 429 ] في الأصل لأن التوبة تسقط الحد في السرقة الكبرى بخصوصها للاستثناء في النص فلا يصح قياسها على باقي الحدود مع معارضة النص ، وسائر الحدود لا تسقط بالتوبة عندنا ، وبه قال مالك وأحمد في رواية والشافعي في قول ، وعنهما تسقط لقوله تعالى { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما } ونحن نقطع بأن رجم ماعز والغامدية كان بعد توبتهما ، والآية منسوخة ، إنما كان ذلك في أول الأمر .

وإذا عرف هذا فقول المصنف ولأن التوبة تتوقف على رد المال ولا قطع في مثله شبه التناقض ، لأنها إذا توقفت على رد المال فأخذ القاطع قبل الرد أخذ قبل التوبة ، والأخذ قبل التوبة بعد أخذ المال فيه الحد بقطع اليد والرجل .

أجيب بفرض المسألة فيما إذا رد بعضه فإنه علامة توبته ، فيكون ذلك شبهة في سقوط الحد فيجب الضمان لو هلك الباقي أو استهلكه ; ومثل ما لو أخذوا بعد التوبة في سقوط الحد والرجوع إلى القصاص وتصرف الأولياء فيه وفي المال ما لو أخذوا قبل التوبة وقد قتلوا ، ولكن أخذوا من المال قليلا لا يصيب كلا نصاب فإن الأمر في القتل والجرح إلى الأولياء إن شاءوا قتلوا قصاصا وإن شاءوا عفوا . وقال عيسى : يقتلهم الإمام حدا لأنهم لو قتلوا ولم يأخذوا شيئا من المال قتلهم حدا لا قصاصا ، وهذا لأن ما دون النصاب كالعدم ، ولأنه تتغلظ جنايتهم بأخذ شيء من المال فلا يسقط الحد .

والأصح ما ذكر في الكتاب لأن وجوب الحد عليهم باعتبار ما هو المقصود وهم يقصدون بالقطع أخذ المال ، وقتلهم ليس إلا ليصلوا إليه ، فإذا تركوا أخذ المال عرفنا أن قصدهم القتل لا القطع ; لأن القطع ليس إلا للمال فيقتص منهم إن شاء الولي وتجري فيه أحكام القصاص




الخدمات العلمية