الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 384 ] وقال ( والحرز على نوعين حرز لمعنى فيه كالبيوت والدور . وحرز بالحافظ ) قال العبد الضعيف : الحرز لا بد منه لأن الاستسرار لا يتحقق دونه ، ثم هو قد يكون بالمكان وهو المكان المعد لإحراز الأمتعة كالدور والبيوت والصندوق والحانوت ، وقد يكون بالحافظ كمن جلس في الطريق أو في المسجد وعنده متاعه فهو محرز به ، وقد { قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد } ( وفي المحرز بالمكان لا يعتبر [ ص: 385 ] الإحراز بالحافظ هو الصحيح ) لأنه محرز بدونه وهو البيت وإن لم يكن له باب أو كان وهو مفتوح حتى يقطع السارق منه ، لأن البناء لقصد الإحراز إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج منه لقيام يده فيه قبله . بخلاف المحرز بالحافظ حيث يجب القطع فيه ، كما أخذ لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة ، ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظا أو نائما والمتاع تحته أو عنده هو الصحيح لأنه لم يعد النائم عند متاعه حافظا له في العادة . [ ص: 386 ] وعلى هذا لا يضمن المودع والمستعير بمثله لأنه ليس بتضييع ، بخلاف ما اختاره في الفتاوى . .

التالي السابق


( قوله قال ) أي المصنف ( الحرز لا بد منه ) لوجوب القطع ( لأن الاستسرار لا يتحقق دونه ) لأنه إذا لم يكن له حافظ من بناء ونحوه أو إنسان متصد للحفظ يكون المال سائبا فلا يتحقق إخفاء الأخذ والدخول فلا تتحقق السرقة . وعلى هذا يكون قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } بنفسه يوجب الحرز إذ لا تتصور السرقة دون الإخفاء ، ولا يتحقق الإخفاء دون الحافظ ، فيخفي الأخذ منه أو البناء فيخفي دخوله بيت غيره من الناس . والأحاديث الواردة بعد ذلك في اشتراطه كقوله صلى الله عليه وسلم { لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة الجبل ، فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن } ونحوه وارد على وفق الكتاب لا مبين مخصص ( ثم هو على نوعين : حرز ) بالمكان ( كالدور والبيوت ) والجدران والحوانيت للتجار وليست هي التي تسمى في عرف بلاد مصر الدكاكين والصناديق والخيام والخركاه وجميع ما أعد لحفظ الأمتعة ، وقد يكون بالحافظ وهو بدل عن الأماكن المبنية على ما ذكر في المحيط .

وذلك ( كمن جلس في الطريق ) أو في الصحراء ( أو في المسجد وعنده متاع فهو محرز به . وقد { قطع النبي صلى الله عليه وسلم من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد } ) على ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطإ وأحمد في مسنده من غير وجه والحاكم ، وحكم صاحب التنقيح ابن عبد الهادي أنه حديث صحيح ، وله طرق كثيرة وألفاظ مختلفة ، وإن كان في بعضها انقطاع وفي بعضها من هو مضعف ، ولكن تعددت طرقه واتسع مجيئه اتساعا يوجب الحكم بصحته بلا شبهة . وفي طريق السنن { عن عبد الله بن صفوان عن أبيه أنه طاف بالبيت وصلى ثم لف رداء له من برد فوضعه تحت رأسه فنام . فأتاه لص فاستله من تحت رأسه . فأخذه فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن هذا سرق ردائي . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أسرقت رداء هذا ؟ قال نعم ، قال : اذهبا به فاقطعا يده ، فقال صفوان : ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي ، قال : فلولا كان قبل أن تأتيني به }

زاد النسائي " فقطعه " وفي المستدرك : سماه خميصة ثمن ثلاثين درهما ( قوله وفي المحرز بالمكان لا يعتبر [ ص: 385 ] الإحراز بالحافظ هو الصحيح ) احتراز عما في العيون أن على قول أبي حنيفة يقطع السارق من الحمام في وقت الإذن : أي في وقت دخولها إذا كان ثمة حافظ . وقال أبو يوسف ومحمد : لا يقطع .

وبه أخذ أبو الليث والصدر الشهيد وفي الكافي : وعليه الفتوى وهو ظاهر المذهب . وجه الصحيح ( أنه محرز بدون الحافظ ) لأن المكان في نفسه صالح للإحراز وهو المنع من وصول يد غير صاحبه إلى ما فيه ، ويكون المال مع ذلك مختفيا ، وليس هذا مع الحافظ فهو فرع ، ولا اعتبار للفرع مع وجود الأصل فلا يعتبر وجوده معه ، فلذا كان الأصح أنه إذا دخل الحمام في وقت الإذن في دخولها وسرق منها ما عنده حافظ لا يقطع ، لأن الحمام في نفسه صالح لصيانة الأموال ، إلا أنه اختل الحرز للإذن في دخولها ولذا يقطع إذا سرق منها ليلا ، بخلاف المسجد فإنه ما وضع لإحراز الأموال فيقطع السارق بمال عنده من يحفظه فيه ، وقد قطع سارق رداء صفوان وكان نائما في المسجد . ولكون المكان هو الحرز الذي يقتصر النظر عليه قلنا يقطع السارق منه وإن لم يكن له باب أو له باب ولكنه مفتوح لأن البناء للإحراز ( إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج لقيام يد المالك قبل الإخراج ) من داره فلا يتحقق الأخذ إلا بإزالة يده وذلك بالإخراج من حرزه ( بخلاف المحرز بالحافظ فإنه يقطع كما أخذه لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة ) فيجب موجبها ( ولا فرق ) في وجوب القطع ( بين كون الحافظ ) في الطريق والصحراء والمسجد ( مستيقظا أو نائما والمتاع تحته ) أو تحت رأسه ( أو عنده ) وهو بحيث يراه ( لأنه يعد النائم عند متاعه ) وبحضرته كيفما نام مضطجعا أو لا ( حافظا له في العادة ) وقوله ( هو الصحيح ) احتراز عن قول بعضهم باشتراط كون المتاع تحت [ ص: 386 ] رأسه أو تحت جنبه .

وجه الصحيح ما ذكرنا ( ولهذا لا يضمن المودع والمستعير ) إذا حفظ الوديعة والعارية كذلك فسرقت ، ولو لم يكن ذلك حفظا لضمنا ( بخلاف ما اختاره في الفتاوى ) فإنه أوجب فيها الضمان على المودع والمستعير إذا نام مضطجعا ، ثم ما كان حرزا لنوع يكون حرزا لجميع الأنواع هو الصحيح كما ذكره الكرخي ، حتى لو سرق لؤلؤة من إصطبل أو حظيرة غنم يقطع ، بخلاف ما إذا سرق الغنم من المرعى فقد أطلق محمد عدم القطع فيه وفي الفرس والبقر ، وهو مقيد بما إذا لم يكن معها من يحفظها ، فإن كان قطع إذا لم يكن راعيا ، فإن كان الذي يحفظها الراعي ففي البقالي لا يقطع ، وهكذا في المنتقى عن أبي حنيفة . وأطلق خواهر زاده ثبوت القطع إذا كان معها حافظ . ويمكن التوفيق بأن الراعي لم يقصد لحفظها من السراق بخلاف غيره . ونقل الإسبيجابي عن بعض أصحابنا أن كل شيء يعتبر بحرز مثله فلا يقطع باللؤلؤة من الأماكن المذكورة والثياب النفيسة منها ، وهذا قول الشافعي .




الخدمات العلمية