الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا قال الحاكم للحداد اقطع يمين هذا في سرقة سرقها فقطع يساره عمدا أو خطأ فلا شيء عليه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وقالا لا شيء عليه في الخطأ ويضمن في العمد ) وقال زفر رحمه الله : يضمن في الخطأ أيضا وهو القياس ، والمراد بالخطأ هو الخطأ في الاجتهاد ، [ ص: 399 ] وأما الخطأ في معرفة اليمين واليسار لا يجعل عفوا . وقيل يجعل عذرا أيضا . له أنه قطع يدا معصومة والخطأ في حق العباد غير موضوع فيضمن . قلنا إنه أخطأ في اجتهاده ، إذ ليس في النص تعيين اليمين ، والخطأ في الاجتهاد موضوع . ولهما أنه قطع طرفا معصوما بغير حق ولا تأويل لأنه تعمد الظلم فلا يعفى وإن كان في المجتهدات ، وكان ينبغي أن يجب القصاص إلا أنه امتنع للشبهة . ولأبي حنيفة رحمه الله أنه أتلف وأخلف من جنسه ما هو خير منه فلا يعد إتلافا كمن شهد على غيره ببيع ماله بمثل قيمته ثم رجع ، وعلى هذا لو قطعه غير الحداد لا يضمن أيضا هو الصحيح .

[ ص: 400 ] ولو أخرج السارق يساره وقال هذه يميني لا يضمن بالاتفاق لأن قطعه بأمره . ثم في العمد عنده عليه ضمان المال لأنه لم يقع حدا . وفي الخطأ كذلك على هذه الطريقة ، وعلى طريقة الاجتهاد لا يضمن

التالي السابق


( قوله وإذا قال الحاكم للحداد ) أي للذي يقيم الحد فعال منه كالجلاد من الجلد ( اقطع يمين هذا في سرقة سرقها فقطع يساره عمدا أو خطأ فلا شيء عليه عند أبي حنيفة رحمه الله ) ولكن يؤدب ، وبه قال أحمد ( وقالا لا شيء عليه في الخطإ ويضمن في العمد ) أرش اليسار ( وعند زفر يضمن في الخطإ أيضا ) بخلاف ما لو قال له اقطع يد هذا فقطع اليسار لا يضمن بالاتفاق . وعند مالك والشافعي يقتص في العمد كقولنا فيما إذا قطع رجل يده بعد الشهادة قبل القضاء بالقطع في انتظار التعديل ثم عدلت لا قطع عليه لفوات محله ، وتقطع يد القاطع قصاصا ويضمن المسروق لو كان أتلفه ، لأن سقوط الضمان باستيفاء القطع حقا لله تعالى ولم يوجد . وكذا لو قطع يده اليسرى يقتص له ويسقط عنه قطع اليمنى لما عرف ( قوله والمراد ) أي المراد ( بالخطأ ) الذي فيه الخلاف بيننا وبين زفر ( الخطأ في الاجتهاد ) ومعناه أن يقطع اليسرى بعد قول الحاكم اقطع يمينه عن اجتهاد في أن قطعها يجزئ [ ص: 399 ] عن قطع السرقة نظرا إلى إطلاق النص وهو قوله تعالى { فاقطعوا أيديهما } ( أما الخطأ في معرفة اليمين من الشمال لا يجعل عفوا ) لأنه بعيد يتهم فيه مدعيه ، وعلى هذا فالقطع في الموضعين عمد ، وإنما يكون معنى العمد حينئذ أن يتعمد القطع لليسار لا عن اجتهاد في إجزائها ( وقيل ) الخطأ في اليمين والشمال ( يجعل عفوا أيضا . لزفر أنه قطع يدا معصومة . والخطأ في حق العباد غير موضوع فيضمنها . ولنا أنه )

إنما ( أخطأ في اجتهاده وخطأ المجتهد موضوع ) بالإجماع ، وهذا موضع اجتهاد لأن ظاهر النص يسوي بين اليمين واليسار ( ولهما ) في العمد ( أنه ) جان حيث ( قطع يدا معصومة بلا تأويل تعمدا للظلم فلا يعفى وإن كان في المجتهدات ) لأنه هو لم يفعله عن اجتهاد ( وكان ينبغي أن يجب القود إلا أنه سقط للشبهة ) الناشئة من إطلاق النص ( ولأبي حنيفة رضي الله عنه أنه ) وإن ( أتلف ) بلا حق ظلما لكنه ( أخلف من جنسه ما هو خير له ) وهي اليمين فإنها لا تقطع بعد قطع اليسرى وهي خير لأن قوة البطش بها أتم فلا يضمن شيئا وإنما قلنا إنه أخلف لأن اليمين كانت على شرف الزوال فكانت كالفائتة فأخلفها إلى خلف استمرارها وبقائها ، بخلاف ما لو قطع رجله اليمنى ، لأنه وإن امتنع به قطع يده لكن لم يعوضه من جنس ما أتلف عليه من المنفعة ، لأن منفعة البطش ليس من جنس منفعة المشي ، وأما إن قطع رجله اليسرى فلم يعوض عليه شيئا أصلا وصار كما لو شهد اثنان على رجل ببيع عبد بألفين وقيمته ألف أو شهدا بمثل قيمته ثم رجعا بعد القضاء لا يضمنان شيئا ( قوله وعلى هذا ) أي على تعليل قول أبي حنيفة بالإخلاف بقطع يساره ( غير الحداد أيضا ) للإخلاف ( وهو الصحيح ) احتراز عما ذكر الإسبيجابي في شرحه لمختصر الطحاوي حيث قال : هذا كله [ ص: 400 ] إذا قطع الحداد بأمر السلطان ، ولو قطع يساره غيره ففي العمد القصاص وفي الخطإ الدية ( قوله ولو أن السارق أخرج يساره وقال هذه يميني ) فقطعها ( لا يضمن ) وإن كان عالما بأنها يساره ( بالاتفاق لأنه قطعها بأمره ثم في العمد عنده على السارق ضمان المال ) إذا كان استهلكه ( لأنه لم يقع حدا ففي الخطإ كذلك على هذه الطريقة ) أعني طريقة عدم وقوعه حدا .

وقيل طريقة الإخلاف ولازمها عدم وقوعه حدا فكلاهما واحد ، إلا أن الأول أقرب إلى اللفظ ( وعلى طريقة الاجتهاد لا يضمن ) لأنه وقع موقع الحد والقطع مع الضمان لا يجتمعان . وإنما خص أبا حنيفة رضي الله عنه بلزوم الضمان على السارق في عمد القطع مع أنهما أيضا يضمنانه لأنه توهم أنه لا يضمن إنما يثبت على قوله لأنه لما لم يوجب على الحداد ضمانا قد يتوهم أنه لا يضمن السارق بناء على أن قطع الحداد وقع حدا ولذا لم يضمنه ، فأزال الوهم بأنه إنما لم يضمنه لإخلافه لا لوقوعه حدا




الخدمات العلمية