الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 373 ] ( ولا قطع على خائن ولا خائنة ) لقصور في الحرز ( ولا منتهب ولا مختلس ) لأنه يجاهر بفعله ، كيف وقد قال عليه الصلاة والسلام { لا قطع في مختلس ولا منتهب ولا خائن }

التالي السابق


( قوله ولا قطع على خائن ولا خائنة إلخ ) وهما اسما فاعل من الخيانة وهو أن يؤتمن على شيء بطريق العارية أو الوديعة فيأخذه ويدعي ضياعه ، أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية ، وعلله بقصور الحرز لأنه قد كان في يد الخائن وحرزه لا حرز المالك على الخلوص ، وذلك لأن حرزه وإن كان حرزا لمالك فإنه أحرزه بإيداعه عنده لكنه حرز مأذون للسارق في دخوله .

( قوله ولا منتهب ) لأنه مجاهر بفعله لا مختف فلا سرقة فلا قطع ( وكذا المختلس ) فإنه المختطف للشيء من البيت ويذهب أو من يد المالك . وفي سنن الأربعة من حديث جابر عنه عليه الصلاة والسلام قال { ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع } قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وسكت عنه ابن القطان وعبد الحق في أحكامه وهو تصحيح منهما . وتعليل أبي داود مرجوح بذلك . وقد حكي الإجماع على هذه الجملة لكن مذهب إسحاق بن راهويه ورواية عن أحمد في جاحد العارية أنه يقطع لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها { أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها } وجماهير العلماء أخذوا بهذا الحديث .

وأجابوا عن حديث عائشة بأن القطع كان عن سرقة صدرت منها بعد أن كانت أيضا متصفة مشهورة بجحد العارية فعرفتها عائشة بوصفها المشهور ، فالمعنى امرأة كان وصفها جحد العارية فسرقت فأمر بقطعها بدليل أن في قصتها { أن أسامة بن زيد شفع فيها الحديث ، إلى أن قال : فقام عليه الصلاة والسلام خطيبا [ ص: 374 ] فقال إنما هلك من كان قبلكم بأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه } وهذا بناء على أنها حادثة واحدة لامرأة واحدة ، لأن الأصل عدم التعدد وللجمع بين الحديثين خصوصا وقد تلقت الأمة الحديث الآخر بالقبول والعمل به ، فلو فرض أنها لم تسرق على ما أخرجه أبو داود عن الليث : حدثني يونس عن ابن شهاب قال : كان عروة يحدث أن عائشة قالت : { استعارت امرأة مني حليا على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته ، فأخذت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يدها } ، وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال كان حديث جابر مقدما .

ويحمل القطع بجحد العارية على النسخ ، وكذا لو حمل على أنهما واقعتان { وأنه عليه الصلاة والسلام قطع امرأة بجحد المتاع ، وأخرى بالسرقة } يحمل على نسخ القطع بالعارية بما قلنا . وفي سنن ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن ركانة عن أمه عائشة بنت مسعود بن الأسود عن أبيها قال { لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك ، وكانت امرأة من قريش ، فجئنا النبي صلى الله عليه وسلم نكلمه فيها وقلنا : ونحن نفديها بأربعين أوقية ، فقال صلى الله عليه وسلم : تطهر خيرا لها ، فأتينا أسامة بن زيد فقلنا له : كلم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كلمه قال : ما إكثاركم علي في حد من حدود الله ، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها } قال ابن سعد في الطبقات : هذه المرأة هي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسود .

وقيل هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد أخت عبد الله بن سفيان .




الخدمات العلمية