الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 421 ] ( فإن سرق ثوبا فصبغه أحمر لم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن قيمة الثوب ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد : يؤخذ منه الثوب ويعطى ما زاد الصبغ فيه ) اعتبارا بالغصب ، والجامع بينهما كون الثوب أصلا قائما وكون الصبغ تابعا . ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى ، حتى لو أراد أخذه مصبوغا يضمن ما زاد الصبغ فيه ، وحق المالك في الثوب قائم صورة لا معنى ; ألا ترى أنه غير مضمون على السارق بالهلاك فرجحنا جانب السارق ، بخلاف الغصب ، لأن حق كل واحد منهما قائم صورة ومعنى فاستويا من هذا الوجه فرجحنا جانب المالك بما ذكرنا ( وإن صبغه أسود [ ص: 422 ] أخذ منه في المذهبين ) يعني عند أبي حنيفة ومحمد ، وعند أبي يوسف رحمه الله هذا والأول سواء لأن السواد زيادة عنده كالحمرة ، وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة ولكنه لا يقطع حق المالك ، وعند أبي حنيفة السواد نقصان فلا يوجب انقطاع حق المالك .

التالي السابق


( قوله ومن سرق ثوبا فصبغه أحمر ) يقطع به بإجماع العلماء ثم لا يؤخذ منه الثوب عند أبي حنيفة وأبي يوسف ولا يضمنه ( وقال محمد : يؤخذ منه الثوب ) وهو قول الأئمة الثلاثة ( ويعطى قدر ما زاد الصبغ في الثوب اعتبارا بالغصب ) فإن غاصب الثوب إذا صبغه أحمر لا ينقطع به حق المالك في الاسترداد اتفاقا ، فكذا في السرقة ( والجامع كون الثوب أصلا والصبغ تابعا . ولهما أن الصبغ قائم صورة )

وهو ظاهر .

وقوله ( ومعنى ) أي من حيث القيمة ( حتى لو أراد ) المسروق منه ( أن يأخذ الثوب يضمن له ) قيمة ( الصبغ وحق المالك قائم صورة لا معنى ) فإنه لو هلك أو استهلك عند السارق لا يضمن فكان حق السارق أحق بالترجيح كالموهوب له إذا فعله ينقطع حق الواهب في الرجوع بذلك ( بخلاف الغصب ، لأن حق كل ) من المغصوب منه والغاصب الذي صبغه ( قائم صورة ومعنى ) لانتفاء ما يخل بالمعنى في حق الغاصب وهو القطع ( فاستويا فرجحنا المالك بما ذكرنا ) من أن الصبغ تابع ( قوله وإن صبغه ) أي السارق ( أسود ) ثم قطع أو قطع [ ص: 422 ] فصبغه أسود ( يؤخذ منه عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف هذا والأول سواء ) فلا يؤخذ منه ( لأن السواد زيادة كالحمرة ) وهي مانعة من الاسترداد من السارق ( وعند محمد هو زيادة ) لكن الزيادة غير مانعة كما قال في الحمرة ( وعند أبي حنيفة السواد نقصان فلا يوجب انقطاع حق المالك ) في الاسترداد .

قالوا : وهذا اختلاف عصر وزمان لا حجة وبرهان ، فإن الناس كانوا لا يلبسون السواد في زمنه ويلبسونه في زمنهما . وفي شرح الطحاوي : لو سرق سويقا فلته بسمن أو عسل فهو مثل الاختلاف في الصبغ : أي الأحمر ليس للمالك على السارق سبيل في السويق ، وعند محمد يأخذه ويعطى ما زاد السمن والعسل .




الخدمات العلمية