الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (9) قوله : أمن هو قانت : قرأ الحرميان : نافع وابن كثير بتخفيف الميم ، والباقون بتشديدها . فأما الأولى ففيها وجهان ، أحدهما : أنها همزة الاستفهام دخلت على " من " بمعنى الذي ، والاستفهام للتقرير ، ومقابله محذوف ، تقديره : أمن هو قانت كمن جعل لله تعالى أندادا ، أو أمن هو قانت كغيره ، أو التقدير : أهذا القانت خير أم الكافر المخاطب بقوله : قل تمتع بكفرك قليلا ويدل عليه قوله : قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فحذف خبر المبتدأ أو ما يعادل المستفهم عنه . والتقديران الأولان أولى لقلة الحذف . ومن حذف المعادل للدلالة قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      3890 - دعاني إليها القلب إني لأمرها سميع فما أدري أرشد طلابها

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 415 ] يريد : أم غي . والثاني : أن تكون الهمزة للنداء ، و " من " منادى ، ويكون المنادى هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو المأمور بقوله : قل هل يستوي الذين يعلمون كأنه قال : يا من هو قانت قل كيت وكيت ، كقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      3891 - أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائرا      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وفيه بعد ، ولم يقع في القرآن نداء بغير يا حتى يحمل هذا عليه . وقد ضعف الشيخ هذا الوجه بأنه أيضا أجنبي مما قبله ومما بعده . قلت : قد تقدم أنه ليس أجنبيا مما بعده ; إذ المنادى هو المأمور بالقول . وقد ضعفه الفارسي أيضا بقريب من هذا . وقد تجرأ على قارئ هذه القراءة أبو حاتم والأخفش .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما القراءة الثانية فهي " أم " داخلة على " من " الموصولة أيضا فأدغمت الميم . وفي " أم " حينئذ قولان ، أحدهما : أنها متصلة ، ومعادلها محذوف تقديره : آلكافر خير أم الذي هو قانت . وهذا معنى قول الأخفش . قال الشيخ : ويحتاج حذف المعادل إذا كان أول إلى سماع " . وقيل : [ ص: 416 ] تقديره : أمن يعصي أمن هو مطيع فيستويان . وحذف الخبر لدلالة قوله : قل هل يستوي الذين يعلمون . والثاني : أنها منقطعة فتتقدر بـ بل والهمزة أي : بل أمن هو قانت كغيره أو كالكافر المقول له : تمتع بكفرك . وقال أبو جعفر : " هي بمعنى بل ، و " من " بمعنى الذي تقديره : بل الذي هو قانت أفضل ممن ذكر قبله " . وانتقد عليه هذا التقدير : من حيث إن من تقدم ليس له فضيلة البتة حتى يكون هذا أفضل منه . والذي ينبغي أن يقدر : " بل الذي هو قانت من أصحاب الجنة" ; لدلالة ما لقسيمه عليه من قوله : إنك من أصحاب النار . و " آناء " منصوب على الظرف . وقد تقدم اشتقاقه والكلام في مفرده .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " ساجدا وقائما " حالان . وفي صاحبهما وجهان ، الظاهر منهما : أنه الضمير المستتر في " قانت " . والثاني : أنه الضمير المرفوع بـ " يحذر " قدما على عاملهما . والعامة على نصبهما . وقرأ الضحاك برفعهما على أحد وجهين : إما النعت لـ " قانت " ، وإما أنهما خبر بعد خبر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " يحذر " يجوز أن يكون حالا من الضمير في " قانت " وأن يكون حالا من الضمير في " ساجدا وقائما " ، وأن يكون مستأنفا جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل : ما شأنه يقنت آناء الليل ويتعب نفسه ويكدها ؟ فقيل : يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، أي : عذاب الآخرة . وقرئ " إنما يذكر أولو " بإدغام التاء في الذال .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 417 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية