الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (32) قوله : إن وعد الله : العامة على كسر الهمزة : لأنها محكية بالقول . والأعرج وعمرو بن فائد بفتحها . وذلك مخرج على لغة سليم : يجرون القول مجرى الظن مطلقا . وفيه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      4036 - إذا قلت أني آيب أهل بلدة ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 656 ] قوله : " والساعة " قرأ حمزة بنصبها عطفا على " وعد الله " . والباقون برفعها ، وفيه ثلاثة أوجه : الابتداء وما بعدها من الجملة المنفية خبرها . الثاني : العطف على محل اسم " إن " لأنه قبل دخولها مرفوع بالابتداء . الثالث : أنه عطف على محل " إن " واسمها معا ; لأن بعضهم كالفارسي والزمخشري يرون أن لـ " إن " واسمها موضعا ، وهو الرفع بالابتداء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " إلا ظنا " هذه الآية لا بد فيها من تأويل : وذلك أنه يجوز تفريغ العامل لما بعده من جميع معمولاته ، مرفوعا كان أو غير مرفوع ، إلا المفعول المطلق فإنه لا يفرغ له . لا يجوز " ما ضربت إلا ضربا " كأنه لا فائدة فيه ; وذلك أنه بمنزلة تكرير الفعل فكأنه في قوة " ما ضربت إلا ضربت " . وكانت هذه العلة خطرت لي حتى رأيت مكيا وأبا البقاء نحوا إليها فلله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : " فإن قلت : ما معنى " إن نظن إلا ظنا " ؟ قلت : أصله نظن ظنا . ومعناه إثبات الظن فحسب . فأدخل حرف النفي والاستثناء ليفاد إثبات الظن ونفي ما سواه ; وزيد نفي ما سوى الظن توكيدا بقوله : وما نحن بمستيقنين . فظاهر كلامه أنه لا يتأول الآية بل حملها على ظاهرها ; ولذلك قال الشيخ : " وهذا كلام من لا شعور له بالقاعدة النحوية : من أن التفريغ [ ص: 657 ] يكون في جميع المعمولات من فاعل ومفعول وغيرهما إلا المصدر المؤكد فإنه لا يكون فيه " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد اختلف الناس في تأويلها على أوجه ، أحدها : ما قاله المبرد وهو : أن الأصل : إن نحن إلا نظن ظنا . قال : " ونظيره ما حكاه أبو عمرو " ليس الطيب إلا المسك " تقديره : ليس إلا الطيب المسك " قلت : يعني أن اسم " ليس " ضمير الشأن مستتر فيها ، وإلا الطيب المسك في محل نصب خبرها ، وكأنه خفي عليه أن لغة تميم إبطال عمل " ليس " إذا انتقض نفيها بـ " إلا " قياسا على " ما " الحجازية ، والمسألة طويلة مذكورة في كتابي " شرح التسهيل " وعليها حكاية جرت بين أبي عمرو وعيسى بن عمر . الثاني : أن " ظنا " له صفة محذوفة تقديره : إلا ظنا بينا ، فهو مختص لا مؤكد . الثالث : أن يضمن " نظن " معنى نعتقد ، فينتصب " ظنا " مفعولا به لا مصدرا . الرابع : أن الأصل : إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا ، فحذف هذا كله ، وهو معزو للمبرد أيضا . وقد ردوه عليه : من حيث إنه حذف أن واسمها وخبرها وأبقى المصدر . وهذا لا يجوز . الخامس : أن الظن يكون بمعنى العلم والشك فاستثنى الشك كأنه قيل : ما لنا اعتقاد إلا الشك . ومثل الآية قول الأعشى :


                                                                                                                                                                                                                                      4037 - وحل به الشيب أثقاله     وما اعتره الشيب إلا اعترارا



                                                                                                                                                                                                                                      يريد اعترارا بينا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية