الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (11) والدخان : ما ارتفع من لهب النار ، ويستعار لما يرى من بخار الأرض عند جدبها . وقياس جمعه في القلة : أدخنة ، وفي الكثرة : دخنان نحو [ ص: 511 ] غراب وأغربة وغربان ، وشذوا في جمعه على دواخن . قيل : هو جمع داخنة تقديرا على سبيل الإسناد المجازي . ومثله : عثان وعواثن .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وهي دخان من باب التشبيه الصوري ; لأن صورتها صورة الدخان في رأي العين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " أتينا " قرأ العامة " ائتيا " أمرا من الإتيان ، " قالتا أتينا " منه أيضا . وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد : " آتيا قالتا آتينا " بالمد فيهما . وفيه وجهان ، أحدهما : أنه من المؤاتاة ، وهي الموافقة أي : ليوافق كل منكما الأخرى لما يليق بها ، وإليه ذهب الرازي والزمخشري . فوزن " آتيا " فاعلا كقاتلا ، و " آتينا " وزنه فاعلنا كقاتلنا . والثاني : أنه من الإيتاء بمعنى الإعطاء ، فوزن آتيا أفعلا كأكرما ، ووزن آتينا أفعلنا كأكرمنا . فعلى الأول يكون قد حذف مفعولا ، وعلى الثاني يكون قد حذف مفعولين إذ التقدير : أعطيا الطاعة من أنفسكما من أمركما . قالتا : أعطيناه الطاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد منع أبو الفضل الرازي الوجه الثاني . فقال : " آتينا " بالمد على فاعلنا من المؤاتاة ، بمعنى سارعنا ، على حذف المفعول به ، ولا تكون من الإيتاء الذي هو الإعطاء لبعد حذف مفعوليه " . قلت : وهذا هو الذي منع الزمخشري أن يجعله من الإيتاء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله " طوعا أو كرها " مصدران في موضع الحال أي : طائعتين [ ص: 512 ] أو مكرهتين . وقرأ الأعمش " كرها " " بالضم . وقد تقدم الكلام على ذلك في النساء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " قالتا " أي : قالت السماء والأرض . وقال ابن عطية : " أراد الفرقتين المذكورتين . جعل السماوات سماء ، والأرضين أرضا ، وهو نحو قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      3948 - ألم يحزنك أن حبال قومي وقومك قد تباينتا انقطاعا



                                                                                                                                                                                                                                      عبر عنهما بـ " تباينتا " . قال الشيخ : " وليس كما ذكر ; لأنه لم يتقدم إلا ذكر الأرض مفردة والسماء مفردة ، فلذلك حسن التعبير بالتثنية . وأما البيت فكأنه قال : حبلي قومي وقومك ، وأنث في " تباينتا " على المعنى لأنه عنى بالحبال المودة " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " طائعين " في مجيئه مجيء جمع المذكرين العقلاء وجهان ، أحدهما : أن المراد : أتيا بمن فيهما من العقلاء وغيرهم ، فلذلك غلب العقلاء على غيرهم ، وهو رأي الكسائي . والثاني : أنه لما عاملهما معاملة العقلاء في الإخبار عنهما والأمر لهما جمعا كجمعهم ، كقوله : رأيتهم لي ساجدين وهل هذه المحاورة حقيقة أو مجاز ؟ وإذا كانت مجازا فهل هو تمثيل أو تخييل ؟ خلاف .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 513 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية