الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابع : أن لا يناظر إلا في مسألة واقعة أو قريبة الوقوع غالبا فإن الصحابة رضي الله عنهم ما تشاوروا إلا فيما تجدد من الوقائع أو ما يغلب وقوعه كالفرائض ولا نرى المناظرين يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوى بالفتوى فيها بل يطلبون الطبوليات التي تسمع فيتسع مجال الجدل فيها كيفما كان الأمر .

وربما يتركون ما يكثر وقوعه ويقولون هذه مسألة خبرية أو هي من الزوايا وليست من الطبوليات فمن العجائب أن يكون المطلب هو الحق ثم يتركون المسألة ؛ لأنها خبرية ومدرك الحق فيها هو الإخبار أو لأنها ليست من الطبول فلا نطول فيها الكلام والمقصود في الحق أن يقصر الكلام ويبلغ الغاية على القرب لا أن يطول .

التالي السابق


(الرابع: أن لا يناظر إلا في مسألة واقعة) أو نازلة مهمة احتاج الأمر إلى الكشف عن حقيقتها ومعانيها اضطرارا (أو) في مسألة (قريبة الوقوع غالبا) بحيث يخاف أنها تقع فيحتاج إلى التنبيه لوقوعها، وهذا هو الشرط الأكمل لمن يناظر بالإخلاص وحسن النية (فإن الصحابة) رضوان الله عليهم (ما تشاوروا) مع بعضهم برد الفتوى إليهم (إلا فيما تجدد من الوقائع) والنوازل (أو ما يغلب وقوعه كالفرائض) وقد تقدمت الإشارة إليه، وأما في غير ذلك فإنهم كانوا يفتون بما اقتبسوه من مشكاة النبوة ولا يمتنع أحد منهم من إباحة العلم أشار لذلك العماد السكري في الإرشاد (وأن) الآن (لا ترى المناظرين يهتمون) ويفتون (بانتقاد المسائل التي تعم البلوى بالفتوى فيها) ولا يحومون حولها (بل يطلبون) المسائل (الطبوليات) التي يدق لها بالطبل وهي كناية عن الاشتهار والاجتماع لها وهي (التي يتسع مجال الجدل) ومثار نقع الخلاف (فيها كيفما كان الأمر) لأجل الشهرة فقط وأن يقال فلان مناظر جدلي عالم كبير فيرتفع قدره عند عوام الناس لأجل تكالبه على حطام الدنيا (وربما يتركون) البحث في (ما يكثر وقوعه) في الزمان ويقولون (هذه مسألة خيرية) قد أخبر بها فلان من الشيوخ ونص عليها فلان في الكتاب الفلاني (أو هي من) مسائل (الزوايا) التي من شأنها أن لا يحدث بها إلا في الخلوة وما دروا كم في الزوايا من خبايا (و) يقولون: إنها (ليست من) مسائل (الطبول) التي يضرب لها بالطبل (فمن العجائب أن يكون المطلب) والمقصد بذلك البحث (هو) تحقيق (الحق) في نفس الأمر (ثم تترك المسألة؛ لأنها خبرية و) الحال إن (مدرك الحق) ومقطعه (الإخبار) عما جاء من السلف الصالحين (أو) تترك (لأنها) من مسائل الزوايا و (ليست من الطبول ولا يطول فيها الكلام) مع الخصم لوقوف كل منهما عند النصوص وليس من شرط الناظر المجتهد المناقشة في مجال القطع إذ لا محال للاجتهاد فيها كما تقدم (و) الحال إن (المقصود في) إظهار (الحق) والصواب عند العارفين (أن يقصر الكلام) ويقل الجدال (ويبلغ) مع ذلك (الغاية) التي يريدها من تلك المسألة بالوقوف على ما هو الحق فيها سواء وافق مقلده أو لم يوافق (إلا أن يطول) وبالميدان يجول؛ لأنه قلما مناظر طال كلامه في بحثه إلا وخرج عن حد الاعتدال، واحتاج إلى إيراد الغث والسمين، ومن كان بهذه الأوصاف بعيد عن إخلاص النية، وحسن الطوية أجارنا الله من ذلك بمنه وكرمه آمين .




الخدمات العلمية