الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثامن : أن يناظر من يتوقع الاستفادة منه ممن هو مشتغل بالعلم والغالب أنهم يحترزون من مناظرة الفحول والأكابر خوفا من ظهور الحق على ألسنتهم فيرغبون فيمن دونهم طمعا في ترويج الباطل عليهم .

ووراء هذه شروط دقيقة كثيرة ولكن في هذه الشروط الثمانية ما يهديك إلى من يناظر لله ومن يناظر لعلة .

واعلم بالجملة أن من لا يناظر الشيطان وهو مستول على قلبه وهو أعدى عدو له ولا يزال يدعوه إلى هلاكه ثم يشتغل بمناظرة غيره في المسائل التي المجتهد فيها مصيب أو مساهم للمصيب في الأجر فهو ضحكة الشيطان وعبرة للمخلصين ولذلك شمت الشيطان به لما غمسه فيه من ظلمات الآفات التي نعددها ونذكر تفاصيلها فنسأل الله حسن العون والتوفيق .

التالي السابق


(الثامن: أن يناظر) مع (من يتوقع) أي: يرجو (الاستفادة ممن هو مستقل بالعلم) كامل الأحوال عارف الأصول الدينية متمحض في خدمة العلم غير راكن إلى الدنيا وأربابها (والغالب) على مناظري الزمان (أنهم يحترزون) ويتجنبون (من مناظرة الفحول) من العلماء (والأكابر) من الفضلاء (خوفا من ظهور الحق على لسانهم) فلا محالة من اتباعه وترك مذهب مقلده أو خوفا من تبكيته والتسجيل عليه بكونه صار مغلوبا (ويرغبون فيمن دونهم) من أوساط الطلبة وصغارهم (طمعا في ترويج الباطل عليهم) وهم لقصور أفهامهم لا يطيقون على رد ذلك الباطل فيدخلون عليهم بهذه التمويهات المزخرفة فيتحيرون ويروج عليهم ذلك الكلام .

فهذه شروط في المناظرة ثمانية (ووراء هذا شروط) أخر (دقيقة) يطول الكلام في بيانها (ولكن في هذه الشروط الثمانية) المذكورة (ما يهديك) ويرشدك (إلى) الفرق بين (من يناظر لله) تعالى وقصده ظهور الحق واتباعه (و) بين (من يناظر لعلة) دنيوية وأغراض فاسدة ثم لما فرغ من بيان الشروط [ ص: 293 ] الثمانية شرع في ذكر الآفات التي تحدث في المناظرة بمناسبة لطيفة ودخول غريب فقال:

(واعلم بالجملة) فإن التفصيل مما يمل منه (أن من لا يناظر الشيطان وهو مسئول على قلبه) بوساوسه وشركه (وهو أعدى أعدائه) وأكبر خصمائه، اعلم أن جهاد أعداء الله في الخارج فرع على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال - صلى الله عليه وسلم- المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمهاجر من هجر عما نهى الله عنه، ولذلك كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وإضلاله فإنه ما لم يجاهد أولا نفسه ويناظرها لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، وكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه (ولا يزال يدعوه) ويحمله (إلى هلاكه) ملاحظ له في حركاته وسكناته لا ينفك عنه لا يفتر إما بسلب إيمانه إن أمكنه وإلا بإلقائه في المعاصي التي هي بريد الكفر ثم يثبطه عن التوبة فيمن لم يناظره في الله لم يمكنه مناظرة عدوه في الخارج فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما ومناظرتهما وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده وهو واقف بينهما يخذل العبد عن جهادهما ولا يزال يحيل له الخداع والمكر ويحسن له اللذات والشهوات فكان جهاده ومناظرته هو الأصل بجهادهما وهو الشيطان، قال الله تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فالأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوسع في مجاهدته فإنه عدوه لا يفتر ولا يقصر عن محاربته العبد على عدد الأنفاس فمن ترك الجهاد والمناظرة مع هذا العدو الخبيث (ثم يشتغل بمناظرة غيره في مسائل) معلومة (المجتهد فيها مصيب) الأجر (أو يساهم) أي يشارك في السهم (للمصيب في الأجر فهو ضحكة للشياطين) أي يضحكون عليه ويستهزئون به والضحكة بضم فسكون من يضحك عليه، وأما الضحكة بضم ففتح هو من يضحك على الناس كثيرا (وعبرة للمخلصين) يعتبرون بأحواله (ولذلك شمت) أي: فرح (الشيطان بما غمسه فيه) وأغرقه (في) بحار (ظلمات الآفات) العشرة التي (نعددها ونذكر تفصيلها) إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية