الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك الاشتغال بدقائق الجدل والمناظرة من أجل علوم أهل الزمان ويزعمون أنه من أعظم القربات وقد كان من المنكرات .

ومن ذلك التلحين في القرآن والأذان .

ومن ذلك التعسف في النظافة والوسوسة في الطهارة وتقدير الأسباب البعيدة في نجاسة الثياب مع التساهل في حل الأطعمة وتحريمها إلى نظائر ذلك .

ولقد صدق ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال : أنتم اليوم في زمان الهوى فيه تابع للعلم ، وسيأتي عليكم زمان يكون العلم فيه تابعا للهوى .

وقد كان أحمد بن حنبل يقول : تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب ما أقل العلم فيهم والله المستعان .

وقال مالك بن أنس رحمه الله لم تكن الناس فيما مضى يسألون عن هذه الأمور كما يسأل الناس اليوم ، ولم يكن العلماء يقولون حرام ولا : حلال ولكن أدركتهم يقولون مستحب ومكروه .

ومعناه أنهم كانوا ينظرون في دقائق الكراهة والاستحباب فأما الحرام فكان فحشه ظاهرا وكان هشام بن عروة يقول : لا تسألوهم اليوم عما أحدثوه بأنفسهم فإنهم قد أعدوا له جوابا ، ولكن سلوهم عن السنة فإنهم لا يعرفونها .

وكان أبو سليمان الداراني رحمه الله يقول : لا ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمع به في الأثر فيحمد الله تعالى ، إذا وافق ما في نفسه وإنما قال هذا لأن ما قد أبدع من الآراء قد قرع الأسماع وعلق بالقلوب وربما يشوش صفاء القلب ، فيتخيل بسببه الباطل ، حقا فيحتاط فيه بالاستظهار بشهادة الآثار .

ولهذا لما أحدث مروان المنبر في صلاة العيد عند المصلى قام إليه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال : يا مروان ما هذه البدعة ؟ فقال : إنها ليست ببدعة إنها ، خير مما تعلم إن الناس قد كثروا فأردت أن يبلغهم الصوت ، فقال أبو سعيد : والله لا تأتون بخير مما أعلم أبدا ووالله لا صليت وراءك اليوم وإنما أنكر ذلك عليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوكأ في خطبة العيد والاستسقاء على قوس أو عصا لا على المنبر وفي الحديث المشهور من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد وفي خبر آخر : من غش أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، قيل : يا رسول الله ، وما غش أمتك ؟ قال : أن يبتدع بدعة يحمل الناس عليها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله عز وجل ملكا ينادي كل يوم من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تنله شفاعته

التالي السابق


(وكذلك) من محدثات الأقوال (الاشتغال بدقائق الجدل والمناظرة) والتدقيق في القياس والتبحر فيها وهذا (من أجل علوم الزمان) وأرفعها قدرا لديهم (ويظنون أنه) أي الاشتغال به (من أعظم القربات) عند الله تعالى (وقد كان ذلك) عند الأولين (من المنكرات) ويدخل في ذلك التبحر في علوم العربية والنحو، قال بعض السلف: النحو يذهب الخشوع من القلب .

وقال بعضهم: من أراد أن يزدري بالناس فليتعلم النحو، وذكرت العربية عند القاسم بن مخيمرة، فقال: أولها كبر، وآخرها بغي .

(ومن ذلك) أي من محدثات الأقوال (التلحين في) قراءة (القرآن) حتى لا يفهم التلاوة، وحتى تجاوز إعراب القرآن والكلمة بمد المقصور وقصر الممدود، وإدغام المظهر، وإظهار المدغم ليستوي بذلك التلاحن، ولا يبالي باعوجاج الكلم، وإحالته عن حقيقته، فهذا بدعة ومكروه استماعه، قال بشر بن الحارث: سألت عبد الله بن أبي داود الحريبي أمر بالرجل يقرأ فأجلس إليه، قال: يقول: بطرب، قلت: نعم، قال: لا هذا قد أظهر بدعة، (و) من ذلك التلحين في (الأذان) وهو من البغي فيه والاعتداء، قال رجل من المؤذنين لابن عمر: إني لأحبك في الله تعالى، فقال: لكني أبغضك في الله تعالى، قال: ولم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لأنك تبغي في أذانك وتأخذ عليه أجرا، وكان أبو بكر الآجري، يقول: خرجت من بغداد ولم يحل لي المقام بها قد ابتدعوا في كل شيء حتى في قراءة القرآن، وفي الأذان يعني الإدارة والتلحين، (ومن ذلك) أي من محدثات الأفعال، (التعسف) أي مجاوزة الحد (في النظافة والوسوسة في الطهارة وتقدير الأسباب البعيدة في نجاسات الثياب) ، والتشديد فيها بكثرة غسلها من عرق الجنب، وليس الحائض ومن أبوال ما يؤكل لحمه وغسل يسير الدم، ونحو ذلك، وكان السلف يرخصون في كل هذا، (مع التساهل في حل الأطعمة وتحريمها) وأمر المكاسب وترك التحري فيها، (إلى نظائر ذلك) كالكلام فيما لا يعني والخوض في الباطل، والغيبة، والنميمة والاستماع إليهما والنظر إلى الزور واللهو ومجالسه، والمشي في هوى نفسه، والتعصب وشدة الحرص على الدنيا فهذا كله تساهلوا فيه، كان السلف والقدماء، يشددون فيه، وقد اقتصر المصنف على هذا الذي أورده من ذكر الحوادث والبدع وهي كثيرة، ولم يذكر من بدع الحجاج إلا فرش البواري في المسجد، وهي كثيرة أيضا فلا بأس أن تلم بما لم يذكره فأقول من جملة بدع الأقوال والأفعال، قولهم: كيف أصبحت، كيف أمسيت؟ هذا محدث إنما كانوا إذا التقوا قالوا: السلام عليكم ورحمة الله، وإنما حدث هذا زمان طاعون عمواس كان الرجل، يلقى أخاه غدوة فيقول: كيف أصبحت من الطاعون؟ ويلقاه عشية، فيقول: كيف أمسيت منه؟ لأن أحدهم كان إذا أصبح لم يمس وإذا أمسى لم يصبح، فبقي هذا إلى اليوم، ونسي سببه، وكان من عرف حدوثه من المتقدمين يكره ذلك، قال رجل لأبي بكر بن عياش: كيف أصبحت أو كيف أمسيت؟ فلم يكلمه، وقال: دعونا من هذه البدعة، وروى أبو معشر عن الحسن، إنما كانوا يقولون: السلام عليكم، سلمت والله القلوب، فأما اليوم كيف أصبحت أصلحك الله؟ كيف أنت عافاك الله؟ فإن أخذنا بقولهم كانت بدعة إلا ولا كرامة، فإن شاءوا غضبوا علينا، ومن هذا قولهم: الله معكم وقويت وفي الخبر: من بدأكم بالكلام قبل السلام، فلا تجيبوه، ومن ذلك الإشارة بالسلام باليد أو الرأس من غير نطق به، فكل ذلك من المحدثات، ومن ذلك ابتداء الرجل في عنوان الكتاب باسم المكتوب إليه، وإنما السنة أن يبتدئ بنفسه فيكتب من فلان إلى فلان ويقال: أول من أحدثه زيادة فعابه العلماء عليه [ ص: 441 ] وعدوه من أحداث بني أمية، وقد بقي سنة هذا في كتب الأمراء والملوك اليوم، ومنها قول الرجل إذا جاء منزل أخيه : يا غلام، أو يا جارية، فقد كان السلف يقرع أحدهم باب أخيه، ثم يسلم ثلاثا يقف بعد كل تسليمة فإن أذن له دخل، وقد لا يحب صاحب البيت أن يدخل عليه في ذلك الوقت لعذر أو سبب فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله، ارجع عافاك الله، فإني على شغل فيرجع غير كاره لرجوعه غير مؤثر في قلبه من ذلك شيئا فربما رجع في اليوم مرتين أو ثلاثا بعد رده، وهذا لو فعل ببعض الناس من أهل عصرنا لكرهه، ولعله لا يعود يومه ذلك هؤلاء عامة الناس، وأما العلماء فكان من الناس من لا يستأذن عليهم إلا لمهم، لا بد منه بل كانوا يقعدون على أبوابهم أو في مساجدهم، ينتظرون خروجهم لأوقات الصلاة إجلالا للعلم، وهيبة للعلماء، ومن ذلك استقصاء أحدهم في المسألة عن حال الرجل، وخبره، وقد كره ذلك، وكان الأعمش يقول: يلقى أحدكم أخاه فيسأله عن كل شيء حتى عن الدجاج في البيت، ولو سأله درهما ما أعطاه، ومن ذلك قول الرجل لصاحبه، إذا لقيه ذاهبا في الطريق: إلى أين تريد؟ أو من أين جئت؟ فقد كره هذا، وليس من السنة والأدب وهو داخل في التجسس والتحسس، ومن ذلك بيع المصاحف وشراؤها، وكان بعضهم لبيعها أكره منه لاشترائها، ومن ذلك أخذ القرآن بالإدارة وتنازع الآيتين، أو تنازع الرجلين الآيتين في مكان واحد بمنزلة الاختلاس والنهبة، من غير خشوع للقرآن ولا هيبة ومن ذلك أخذ المقري على الاثنين وليته قام بقراءة الواحد لسهو القلب، ومن ذلك دخول النساء الحمام، من غير ضرورة ودخول الرجل بغير مئزر، وهو فسوق، وقال بعض العلماء: يحتاج داخل الحمام إلى مئزرين، مئزر لوجهه، ومئزر لعورته، وإلا لم يسلم في دخوله، ومنها جلوس العلماء على الكراسي، وأول من قعد على كرسي يحيى بن معاذ الرازي بمصر وتبعه أبو حمزة ببغداد فعاب الأشياخ عليهما ذلك، ومنها جلوس العلماء متربعين في الدروس، إنما هي جلسة المتكبرين والنحويين، وأبناء الدنيا، ومن التواضع الاجتماع في الجلسة، ومن ذلك طرح السنور والدابة على المزابل في الطرقات فيتأذى المسلمون بروائح ذلك، وكان شريح وغيره إذا مات لهم سنور دفنوها في بيوتهم، ومن ذلك إخراج الميازيب إلى الطرقات، فإنه بدعة، وكان أحمد بن حنبل، وأهل الورع يجعلون ميازيبهم إلى داخل بيوتهم، ومن ذلك الصلاة في المقصورة، وهي أول بدعة أحدثت في المساجد، ومنها كثرة المساجد في المحلة الواحدة، وقد كرهه أنس بن مالك، وغيره من الصحابة، ويقال: أول ما حدث من البدع أربع الموائد والمناخل، والأشنان والشبع، وكانوا يكرهون أن تكون أواني البيت غير الخزف، ولا يتوضؤون في آنية الصفر، ومن ذلك لبس الثياب الرقاق، وكانوا يقولون: هي من لباس الفساق، ومن رق ثوبه رق دينه، وهي من كتان مصر، وقطن خراسان، وإنما كانت ثياب السلف السنبلاني، والقطواني، وعصب اليمن ومعافري مصر، والقباطي مثل كسوة الكعبة، والثياب السحولية، والكرابيس الحضرمية، وهذه غلاظ كلها، كثيفة قليلة أثمانها، ومن ذلك البيع والشراء على الطريق، وكان الورعون لا يشترون شيئا ممن قعد يبيعه على طريق، وكذلك إخراج الرواشن في البيوت، وتقويم العضايد بين يدي الحوانيت إلى الطريق، وكذلك البيع والشراء من الصبيان; لأنهم لا يملكون وكلامهم غير مقبول، وأما منكرات الحجاج ومحدثاته، التي صارت الآن معارف، فكان الشعبي يقول: يأتي على الناس زمان يصلون فيه على الحجاج، أي يترحمون عليه، وهذا قد أتى من منذ زمان لأن الحجاج ابتدع أشياء أنكرها الناس عليه في زمانه، وهي اليوم سنن معروفة يترحم الناس على من أحدثها ويحسبون أنه مأجور عليها، ولأنه ظهرت بعده ولاة جور فابتدعوا بدعا من الفسوق، وصارت سننا بعدهم، فوجب بذلك الترحم على الحجاج إلى جنب ما أظهروا، فمما أحدث هذه المحامل والقباب التي خالف بها هدي السلف، وإنما كان الناس يخرجون على الرواحل والزوامل ليكثر رفاهية إبلهم، وينالوا أجر التعب فصاروا يخرجون في بيوت ظليلة مع الحمل على الإبل ما لا تطيق فيكون سببا لتلفها وفيه يقول القائل:


أول من اتخذ المحاملا عليه لعنة ربي عاجلا وآجلا

[ ص: 442 ] وفي معناه الشقادف والمسطحات، وابتدع أيضا الأخماس، والعواشر، ورؤوس الآي، وحمر السواد وصفره وخضره، فأدخل في المصحف ما ليس فيه من الزخرف، وكان السلف يقولون: جردوا القرآن كما أنزله الله تعالى، ولا تخلطوا به غيره فأنكر العلماء عليه ذلك حتى قال أبو رزين: يأتي على الناس زمان ينشأ فيه نشء يحسبون أن ما أحدث الحجاج في المصاحف، هكذا أنزله الله تعالى بذمه بذلك، وكان ابن سيرين يكره النقط في القرآن .

وقال فراس بن يحيى: وجدت روقا منقوطا بالنحو في سحن الحجاج فعجبت منه، وكان أول نقط رأيته فأتيت الشعبي، فقال لي: اقرأ عليه ولا تنقطه أنت بيدك، ومنها أنه جمع من القراء ثلاثين رجلا فكانوا يعدون حروف الصحف، وكلمه شهرا ولو رآهم عمر أو عثمان أو علي يصنعون هذا لأوجعهم ضربا، وهذا الذي كرهته الصحابة ووصفوا به قراء آخر الزمان، أنهم يحفظون حروفه ويضيعون حدوده، وكان الحجاج أقرأ القراء وأحفظهم لحروف القرآن كان يقرأ القرآن في كل ثلاث وكان أضيع الناس لحدوده، (ولقد صدق ابن مسعود) رضي الله عنه (حيث قال: أنتم اليوم في زمان الهوى فيه تابع للعلم، وسيأتي عليكم زمان يكون العلم تابعا للهوى) ، هكذا أورده صاحب القوت، قال: والمراد بالعلم هو نص القرآن والسنة، أو ما دلا عليه واستنبط منهما، أو وجد فيهما اسمه، ومعناه من قول وفعل، والتأويل إذا لم يخرج من الإجماع داخل في العلم، والاستنباط إذا كان مستودعا في الكتاب شهدته المجمل ولا ينافيه النص، فهو علم والمراد من الهوى ما عدا ذلك من العلوم، (وكان أحمد) بن حنبل رحمه الله تعالى (يقول: تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب ما أقل العلم فيهم والله المستعان) أورده صاحب القوت، هكذا إلا أنه قال: ما أقل الفقه فيهم، وأخرج الخطيب في شرف أصحاب الحديث، فقال: سمعت المروزي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول فساقه كسياق القوت، وليس في آخره والله المستعان .

وأخرج أيضا من رواية بشر بن الوليد قال: سمعت أبا يوسف يقول: لا تكثروا من الحديث الغريب الذي لا يجيء به الفقهاء فآخر أمر صاحبه أن يقال: كذاب، (وقال مالك بن أنس) الإمام رحمه الله تعالى: (لم يكن الناس فيما مضى يسألون عن هذه الأمور كما يسأل الناس اليوم، ولم يكن العلماء يقولون: حلال و) لا (حرام) في أكثر الأمور (أدركتهم يقولون مكروه ومستحب) وقد كان مالك كثير التوقف في الأجوبة إذا سئل، ويكثر أن يقول لا أدري سل غيري، وقال رجل لعبد الرحمن بن مهدي: ألا ترى إلى قول فلان في العلم: حلال وحرام، وقطعه في الأمور بعلمه، يعني رجلا من أهل الرأي، وإلى قول مالك أحسب أحسب إذا سئل فقال عبد الرحمن: ويحك قول مالك: أحسب أحب إلي من قول فلان أشهد أشهد، (معناه أنهم كانوا ينظرون في دقائق الكراهية والاستحباب فأما الحرام فكان تجنبه ظاهرا) بما كانوا يتكلمون فيه، (وكان هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام القرشي، أبو المنذر المدني، رأى أنسا وجابرا وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومسح رأسه ودعا له، وكان صدوقا مات ببغداد، عند أبي جعفر المنصور سنة سبع وأربعين ومائة، (يقول: لا تسألوهم اليوم عما أحدثوا بأنفسهم قد أعدوا له جوابا، ولكن سلوهم عن السنة فإنهم لا يعرفونها) هكذا أورده صاحب القوت إلا أنه ليس فيه بأنفسهم، فيه سلوهم عن السنن، وكان الشعبي إذا نظر ما أحدث الناس من الرأي والهوى يقول: لقد كان القعود في هذا المسجد أحب إلي مما يعدل به فمذ صار فيه هؤلاء الرائيون فقد بغضوا إلي الجلوس فيه، ولأن أقعد على مزبلة أحب إلي من أن أجلس فيه، كان يقول: ما حدثوك عن السنن والآثار فخذ به، وما حدثوك بما أحدثوا من رأيهم فامخط عليه، وقال مرة: فبل عليه .

(وكان أبو سليمان) عبد الرحمن بن عطية (الداراني) رحمه الله تعالى (يقول: لا ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمع به في الأثر فيحمد الله تعالى عليه، إذا وافق ما في نفسه) هكذا أورده صاحب القوت إلا أنه قال: إذا وافق ولم يقل: ما في نفسه، وقال بعض العارفين: ما قبلت خاطرا من قلبي حتى يفتح لي شاهدا عدل، من كتاب وسنة، وقال سهل التستري: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان، حتى [ ص: 443 ] تكون فيه هذه الأربع، أداء الفرائض بالسنة، وأكل الحلال بالورع، واجتناب النهي من الظاهر والباطن، والصبر على ذلك إلى الممات، (وإنما قال) أبو سليمان، (هذا) الذي ذكره; (لأن ما أبدع) وأحدث (من الآراء) المختلفة، (قد قرع الأسماع وعلق بالقلوب) إلا من عصمه الله، كيف، وقد قال ابن مسعود: يظهر المنكر والبدع، حتى إذا غير منها، قيل: غيرت السنة، وقال في آخر حديثه: أكيسهم في ذلك الزمان، الذي يظهر المنكر والبدع، حتى إذا غير منها قيل: غيرت السنة، وقال في آخر حديثه: أكيسهم في ذلك الزمان الذي يروغ بدينه روغان الثعالب، (فربما يشوش صفاء القلوب، فيتخيل بسببه الباطل، حقا فيحتاط فيه بالاستظهار بشهادة الآثار) والسنن، (ولهذا لما أحدث مروان) ، ولفظ القوت: وروينا أن مروان لما أحدث (المنبر في صلاة العيد عند المصلى) وهو مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، ولد بعد الهجرة بسنتين وليس يصح له سماع، وكان كاتبا لعثمان وولي إمرة المدينة لمعاوية بالموسم، وبويع له بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية بالجابية، ومات بالشام سنة خمس وستين، (قام إليه أبو سعيد) مالك بن سنان (الخدري) رضي الله عنه، (فقال: يا مروان ما هذه البدعة؟ فقال: إنها ليست بدعة، هي خير مما تعلم أن الناس قد كثروا فأردت أن يبلغهم الصوت، فقال أبو سعيد: والله لا تأتوني) ولفظ القوت: لا تأتون، (بخير مما أعلم أبدا) ، و (الله لا صليت وراءك اليوم) فانصرف ولم يصل معه صلاة العيد، والخطبة على منبر في صلاة العيد وخطبة الاستسقاء بدعة، (وإنما أنكر ذلك) أبو سعيد على مروان; (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوكأ في خطبة العيد والاستسقاء على قوس أو عصا لا على المنبر) روى أبو داود من رواية شعيب بن زريق الطائفي، قال: جلست إلى رجل له صحبة يقال له: الحكم بن حزن الكلبي، فأنشأ يحدثنا فذكر حديثا فيه فأقمنا بها أياما شهدنا فيها الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام يتوكأ على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه .

وروى الطبراني في الصغير من رواية عبد الرحمن بن سعد عمار بن قرظ، قال: حدثني أبي عن جدي عن أبيه سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" كان إذا خطب في العيدين خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا".

ورواه ابن ماجه بلفظ: "كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا"، ورواه الحاكم في المستدرك من رواية عبد الله بن عمار بن سعد القرظي، قال: حدثني أبي عن جدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا طويلا، فيه: "وكان إذا خطب في الحرب خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا".

وروى الطبراني في الكبير، من رواية أبي خباب الكلبي، قال: حدثني يزيد بن البراء عن أبيه، قال: "كنا جلوسا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أضحى إلى أن قال: ثم أعطي قوسا أو عصا اتكأ عليه" الحديث .

قاله العراقي والحافظ ابن حجر قلت: وبمثل رواية الحاكم، وأبي داود أخرجه البيهقي في السنن، وأخرج الشافعي في مسنده في باب إيجاب الجمعة، عن عطاء مرسلا: "كان إذا خطب يعتمد على عنزة، أو عصا" قال ابن القيم: ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم، أنه توكأ على سيف خلافا لبعض الجهلة، (وفي الحديث المشهور) على الألسنة، (من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد) ، أخرجه البخاري ومسلم، وأبو داود وابن ماجه، من رواية سعد بن إبراهيم، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ: في أمرنا ما ليس منه، وقال أبو داود، ما ليس فيه، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، قاله العراقي، قلت: الذي في روايتهم: في أمرنا هذا، وقوله: رد أي مردود، وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، قال النووي: ينبغي حفظه واستعماله، في إبطال المنكرات، (وفي حديث آخر: من غش أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قيل: يا رسول الله، وما غش أمتك؟ قال: أن يبتدع بدعة يحمل الناس عليها) هكذا أورده صاحب القوت، وقال العراقي والسيوطي، أخرجه الدارقطني في الأفراد من رواية محمد بن المنكدر بن محمد عن أبيه، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، إلا أنه قال: قيل: يا رسول الله، وما الغش؟ قال: أن يبدع لهم بدعة ضلالة فيعمل بها، قال الدارقطني: غريب من حديث محمد بن المنكدر عن أنس تفرد به ابنه المنكدر، (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لله ملكا ينادي [ ص: 444 ] كل يوم من خالف سنة محمد صلى الله عليه وسلم لم ينل شفاعته) .

قال العراقي: لم أقف له على أصل، قلت: أورده هكذا صاحب القوت بلفظ: وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تنله شفاعة رسول الله، وفي بعض النسخ: لم تنله شفاعته، ووجدت بخط بعض المحدثين، ما نصه: رواه الخطيب في أثناء حديث بسند فيه مجهول، وقال الذهبي: هو خبر كذب .




الخدمات العلمية