الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
اللفظ الثاني : العلم وقد كان يطلق ذلك على العلم بالله تعالى وبآياته وبأفعاله في عباده وخلقه حتى أنه لما مات عمر رضي الله عنه قال ابن مسعود رحمه الله لقد مات تسعة أعشار العلم فعرفه بالألف واللام ثم فسره العلم بالله سبحانه وتعالى وقد تصرفوا فيه أيضا بالتخصيص حتى شهروه في الأكثر بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل الفقهية وغيرها فيقال هو العالم على الحقيقة وهو الفحل في العلم ومن لا يمارس ذلك ولا يشتغل به يعد من جملة الضعفاء ولا يعدونه في زمرة أهل العلم .

وهذا أيضا تصرف بالتخصيص ولكن ما ورد من فضائل العلم والعلماء أكثره في العلماء بالله تعالى وبأحكامه وبأفعاله وصفاته وقد صار الآن مطلقا على من لا يحيط من علوم الشرع بشيء سوى رسوم جدلية في مسائل خلافية فيعد بذلك من فحول العلماء مع جهله بالتفسير والأخبار وعلم المذهب وغيره وصار ذلك سببا مهلكا لخلق كثير من أهل الطلب للعلم .

التالي السابق


(اللفظ الثاني: العلم وقد كان يطلق ذلك) في العصر الأول (على العلم بالله تعالى وبآياته وأفعاله في عباده وخلقه) وعلى المعرفة واليقين والإخلاص ومعرفة أحوال القلب وما يصلحه ويضره (حتى إنه لما مات) أمير المؤمنين (عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه- قال) عبد الله ( ابن مسعود) الهذلي -رضي الله عنه- فيما رواه صاحب القوت بلا سند وأخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم فقال: حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال عبد الله: إني لأحسب أنه قد (مات تسعة أعشار العلم) بموته ولفظ أبي خيثمة إني لأحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم، ثم قال صاحب القوت (فعرفه بالألف واللام) للعهد الذهني (ثم فسره بالعلم بالله سبحانه) وذلك لما قيل له: أتقول هذا وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون؟ فقال: إني لست أعني العلم الذي تذهبون إليه إنما أعني العلم بالله -عز وجل- (وقد تصرفوا فيه أيضا بالتخصيص) وهو قصر العام على بعض مسمياته (حتى شهروه) أي جعلوه مشهورا (في الأكثر بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل الفقهية وغيرها) ويحتج كل منهم بأقوال الأئمة ويخوضون فيه وربما صنفوا في تلك المسائل ومسائل غريبة (فيقال) لمن هذه صفته (هو العالم على الحقيقة وهو الفحل في العلم) والليث الصادم في مضايق الوهم (ومن لا يمارس ذلك) أي لا يتمرن فيه (ولا يشتغل به يعد من جملة الضعفاء) الجبناء الجهلاء وفي بعض النسخ: من جملة الضعفة (ولا يعدونه في زمرة أهل العلم) ولا يرفعون له رأسا (وهذا أيضا تصرف فيه بالتخصيص) كما عرفت (وقد كان) لفظ العلم (يطلق) عليه (على العموم) والشمول (وكل ما ورد) وفي نسخة: ولكن ما ورد (في فضائل العلم والعلماء) من الآيات والأخبار (أكثره في العلماء بالله -عز وجل- وبأحكامه وأفعاله وصفاته) [ ص: 236 ] قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: العلم ثلاثة أنواع: علم بالله، وعلم بتدبير الله وبربوبيته، وعلم بأمر الله، وروي لنا عن عيسى بن مريم عليه السلام، أنه قال: العلماء ثلاثة، عالم بالله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله، وعالم بالله عالم بأمر الله (وقد صار الآن مطلقا على من لا يحيط من علوم الشريعة بشيء سوى رسوم جدلية) يجادل بها الخصم (في مسائل خلافية) في المذهب (فيعد به) أي بمعرفة هذه الرسوم (من فحول العلماء) وأساطينهم ويشار إليه بالأصابع (مع جهله بالتفسير) وما يتفرع منه من العلوم (والأخبار) المروية (وعلم المذهب) من الفقه (وغيره) وإن اشتغل فرد منهم بعلم التفسير والأخبار فعلى طريقة المعقوليين بحيث إنه يقرر في كل آية وحديث وجوها من الإعراب والقرءات بوجوهها وتفاريعها، فإذا سئل أن هذه الآية ما شأن نزولها وما معناها الباطن وما إشارتها أو كيف العلم بمضمونها لفتل أصابعه شزرا، وكذا الحال في الأخبار مع عدم معرفة مخرجيها ولا التمييز لصحيحها من سقيمها ولا من خرجها ولا أحوال رواتها كما هو مشاهد الآن، والله المستعان .

(وصار ذلك) أي: الاشتغال بالجدل والخلاف (سببا مهلكا لخلق كثير من الطلبة) وفي نسخة: لحق كثيرا من الطلبة وفي نسخة: من طلبة العلم .




الخدمات العلمية